قمة "الخليجي" سكبت الماء على النار المتقدة تحت الرماد محليا واقليمياً
"المجلس" باقِ والإنجازات آتية.. رغم محاولات التعكير
تقرير حول واقع العمل السياسي في الكويت أعده/ أسامة ابوالخير
بعد أن أفل نجم رئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد عقب تشكيله لسبع حكومات متعاقبه في الفترة من 7 فبراير 2006 إلى 28 نوفمبر 2011، وصفت من قبل المعارضه بـ "الفاشلة"، ووقوع سموه تحت لهيب نار خصومه السياسيين الرافضين ليس فقط لسياسته في إدارة حكوماته واختيار وزرائه وإنما لشخصه، وتجسدت هذه العداوة من قبل نواب إسلاميين، وكتلة العمل الشعبي بزعامة رئيسها رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، وناطقها الرسمي النائب السابق مسلم البراك، من خلال تقديمهم لسلسلة متلاحقة من الاستجوابات لسموه بصفته وشخصه اضطر معها إلى صعود المنصة ليسجل بذلك سابقة في تاريخ الحياة السياسية بالبلاد، فضلاً عن ملاحقة وزرائة أيضاً بالاستجوابات واحد تلو الآخر، وبسبب هذه الصراعات المتتابعة حل مجلس الأمة أربع مرات (2006، 2008، 2009، 2012)، هذا الاحتقان النيابي الحكومي زامنه حراك شعبي خرج في مسيرات متباينة إحداها يطالب برحيل المحمد، والأخرى تطالب ببقائه حتى كانت الضربه القاسمة في 16 نوفمبر 2011 مع حادثة اقتحاب نواب سابقين وشباب لمبنى مجلس الأمة ودخولهم قاعة عبدالله السالم - ليلا- عنوة رغم أنف الحرس "العسكري" الواقف على بواباته فيما عرف وقتها بـ "الأربعاء الأسود" واعتصامهم داخله نصرة لمطالبهم! – على حد تعبيرهم- حيث سجل الحدث سابقة في تاريخ الكويت بعدها اتسع صدى الخلاف حتى وصل إلى مسامع دول مجلس التعاون وتحديداً المملكة العربية السعودية، لاسيما وأن هذه الأحداث تزامنت مع ما يعرف بـ "الربيع العربي" ووجود قوات درع الجزيرة في مملكة البحرين للدفاع عن السلطة الحاكمة هناك ضد الشغب الحاصل وقئذ، ومن ثم بدأت السعودية بالتحرك سياسياً عبر القنوات الشرعية إلى المطالبة بإزاحة سمو الشيخ ناصر المحمد عن رئاسة الوزراء لامتصاص حالة الاحتقان السياسي والغضب الشعبي القائم آنذاك في البلاد، وبالفعل لم تمر سوى أيام على هذا الحدث حتى قدمت حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد استقالتها الأخيرة في 28 نوفمبر 2011، ليكون خلفه سمو الشيخ جابر المبارك الصباح. حادثة "الأربعاء الأسود" التي تحولت إلى قضية جنائية استمرت في ساحة محكمة الجنايات قرابة العامين حتى حكم فيها يوم 9 ديسمبر الجاري، ووسط دعوات إلى طي هذه الصفحة والالتفات إلى المستقبل برأت المحكمة جميع المتهمين في القضية وعددهم 70 مواطناً بينهم تسعة نواب سابقين، في حكم وصفه كثيرون بـ "التاريخي" لأنهم رأوا أن هيئة المحكمة برئاسة المستشار هشام عبدالله غلبت روح القانون في حيثيات حكمها على نصه فقد جاء في هذه الحيثيات أن "المتهمين أصحاب رأي، ونفوسهم ليست كنفوس المجرمين، ولم يقصد أي منهم الاعتداء أو الإيذاء أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة، كما لم يثبت للمحكمة إطلاقاً أن أياً منهم يعتنق رأياً منحرفاً". أما الأمر الذي يمكن وصفه بـ"المستفز" هو تصريح النائب السابق مسلم البراك عقب صدور حكم محكمة الجنايات ونحن الآن على مشارف العام 2014، الذي جاء فيه "لن نخضع حتى نأتي برئيس حكومة منتخبة يعيد بناء الكويت، ولا يوجد تغيير من دون تضحيات"، وهو ما دعى النائب عدنان عبدالصمد إلى القول بأن حكم البراءة "لا يزال في الدرجة الأولى"، متوقعا استئنافه ثم تمييزه. استطيع أن أجزم أن تصريح النائب السابق البراك لم يجانبه الصواب، لا سيما بعد صعود وزير الدفاع الأسبق سمو الشيخ جابر المبارك إلى كرسي رئاسة الوزراء، وبزوغ نجم النائب مرزوق الغانم، وصعوده كرسي رئاسة مجلس الأمة بدعم حكومي ضد منافسه النائب علي الراشد، ليسير على نهج خاله رئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي، الذي غاب عن قاعة عبدالله السالم لكنه لم يغب عن المشهد السياسي في البلاد، الغانم الذي جاء محمولاً على باراشوت ممهدة أجواؤه إلى طريق الرئاسة في انتحابات يوليو من العام الحالي بواقع 36 صوتا رفعوه على الكرسي الأخضر، أتى وهو يحمل بين عينيه أجنده واضحة معالمها وأولوياتها في آن واحد، أما عن الأولى فهو بدء عهد جديد من التعاون المشترك والجاد بين رئاستي الأمة والوزراء وهو ما يدلل عليه تصريحه الشهير " نحن نؤكد أن المحورين لم يتم شطبهما، وما حدث هو الزام المستجوب بالدستور واللائحة، ويبقى أن نعرب عن فخرنا كمجلس بأننا أسسنا سنة جديدة وحميدة تقوم الاعوجاج السابق"، وذلك عقب اتهامه أخيراً من قبل النائبة صفاء الهاشم بتدخله لشطب محوري استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي كان مقدما من النائب رياض العدساني. أما عن أولوية أجندة الغانم التي كشف عنها في معركة الرئاسة وفور تصويت أعضاء مجلس الأمة له كرئيس، تبنيه للملف الإسكاني فيما تأرجحت أولويات الحكومة بين هذا الملف ومواصلة خطة التنمية الشاملة لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري اقليمي، غير أن الحكومة حسمت أمرها أخيراً لتحدد أولويتها انسجاماً مع رؤية الغانم،عقب الجلسة الماراثونية لمناقشة استجوابي سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، ووزير الصحة الشيخ محمد العبدالله، اللذين انتهيا بالتصويت على شطب محوري اسجواب الأول بأغلبية أعضاء المجلس، ونيل العبدالله ثقة الأعضاء في الاستجواب المقدم من النائب حسين القويعان، الذي نجح في جمع عشرة أصوات لطرح الثقة في الوزير لكنه لم يفلح بعد التحرك الحكومي داخل وخارج قاعة عبدالله السالم. أما استجواب وزيرة الدولة لشؤون مجلس الأمة ووزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية الدكتورة رولا دشتي والمقدم من النائب خليل عبدالله، فقد صعدت الوزيرة المنصة في جلسة 26 نوفمبر الماضي وفندت محاور الاستجواب لكشف الحقائق وتصحيح المفاهيم الملتبسة حول برنامج عمل الحكومة والملف التنموي وأوضاع الموظفين في الأمانة العامة للتخطيط، لكنا لا نزال ننتظر جلسة 24 من الشهر الجاري بعد أن أعلن النائب المستجوب أنه نجح في جمع 28 صوتاً لطرح الثقة في الوزيرة دشتي، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل ستكون وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية كبش الفداء لتفادي الخطر النيابي الذي تراه الحكومة معرقلاً لمسيرتها، لاسيما وأنه لم يكد يمر يومان على شطب استجواب سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك في الثاني عشر من نوفمبر الماضي حتى عاجلت النائب صفاء الهاشم بتقديم صحيفتي استجواب احداهما لرئيس مجلس الوزراء، والأخرى للوزيرة رولا دشتي. ما يحدث الآن من توجيه ضربات متلاحقة، وتجديد حالة الاحتقان السياسي في البلاد عبر تقديم سلسلة من الاستجوابات لرئيس الحكومة ووزرائه، أمر يدعو للقلق، وهو ما يؤكده واقع جلسة 26 نوفمبر الماضي التي شهدت مناقشة خمسة استجوابات وتأجيل السادس، التي كانت جميعها مدرجة على جدول أعمال الجلسة، فقد أكد سمو رئيس الوزراء جاهزيته لصعود المنصة وتفنيد الاستجوابين طالبا ضم الاستجواب – الثاني- المقدم من النائب رياض العدساني لسموه مع الاستجواب المقدم من النائب صفاء الهاشم حيث وافق المجلس على طلب سموه، كما أكد وزير الدولة لشؤون البلدية ووزير الدولة لشؤون الإسكان سالم الأذينة جاهزيته لمناقشة الاستجواب المقدم من النائب رياض العدساني، بينما طلبت الحكومة تأجيل نظر الاستجواب المقدم له من النائبين عبدالله التميمي وفيصل الدويسان للوزير الأذينة إلى جلسة 24 الجاري. في ظل تزاحم هذه الاستجوابات ينبغي ألا ننسى الاستجواب الذي قدمه النائب حماد العازمي إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ذكرى الرشيدي، الذي يشتمل على ثلاثة محاور تتعلق بمخالفات قال عنها النائب في قطاعات العمل والتعاونيات ودور الرعاية. هل الغاية المرجاه من هذه الاستجوابات هو مجرد صعود سمو الشيخ جابر المبارك وأعضاء حكومته المنصة؟ لاسيما وهو من وجه تعليماته لوزرائه في مواجهة الاستجوابات المقدمة لهم بقوله "صعود المنصة أو الاستقالة"، أم أن الأمر استهداف مباشر لسموه ومحاسبة نيابية على تصريحات سابقة أطلقها عقب زيارة وفد صندوق النقد الدولي للبلاد في اكتوبر الماضي بأن " دولة الرفاه التي تعودها الكويتيون لن تستمر طويلا"، فقد اعتبر سياسيون واقتصاديون هذا التصريح هو بمثابة التحذير الأقوى من نوعه، من مسؤول بحجم رئيس الوزراء، من خطورة استمرار نمط الإنفاق الاستهلاكي. ولا يخفى أن هذا التحذير الحكومي ألقي بتبعاته وأحدث حالة من اللغط دفعت القواعد الانتخابية إلى تحريك نوابها لشن هجوم مضاد على سمو رئيس الوزراء وحكومته وكان للوزيرة دشتي نصيب الأسد لاسيما بعد تصريحها هي أيضاً عن "انعدام الرفاه" وهو ما اعتبره غير نائب "اتهام مباشر للكويتيين" من وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية، وسعى لفرض الرسوم على الشعب بدلا من أن تتحدث عن الهدر الحكومي وسوء الإدارة!. ربما هذه الضغوط الشعبية دفعت الحكومة إلى "التهدئة" ممثلة في شخص وزير الدولة لشؤون البلدية ووزير الدولة لشؤون الإسكان، سالم الأذينة في ختام تفنيده لمحاور الاستجواب المقدم له من النائب رياض العدساني في جلسة 26 نوفمبر الماضي بشأن القضية الإسكانية وارتفاع أسعار الأراضي في البلاد إلى قوله "اتعهد أمام الشعب الكويتي بأنني سأقوم بمسؤولياتي وسوف التزم بالجداول الزمنية" بشأن مواعيد البدء وتسليم الوحدات السكنية لمستحقيها من المواطنيين. وقد أعقب هذا التعهد أن أجرت لجنة الشؤون الإسكانية البرلمانية تعديلات عدة على المشروع الحكومي بشأن هيئة المدن الإسكانية وقد قبلت الحكومة هذه التعديلات لمباشرة العمل في المشروعات الإسكانية المتوقفة، مقابل أن تقر اللجنة البرلمانية مقترحاً يقضي بإلغاء الرقابة المسبقة على المشاريع الإسكانية وهو ما فعلته اللجنة قبل انعقاد جلسة مجلس الأمة الخاصة بمناقشة القضية الإسكانية الخميس الماضي، التي انتهت بتمسك مجلس الأمة بالرقابة المسبقة على المشاريع الإسكانية، حيث لاقى عرض الوزير الأذينة لحل "القضية" رفضاً وخلافاً نيابياً شديداً، رغم تأكيده جدية الحكومة في توزيع 35 ألف بيت خلال 3 سنوات وهو ما دفع الرئيس مرزوق الغانم إلى التأكيد في ختام الجلسة الخاصة على أن ما طرحه الوزير الأذينة، ليس في مستوى الطموح، معتبراً أن مجلس الأمة دشن الخطوة الأولى لحل القضية الإسكانية وعلى الحكومة أن تبادر بالخطوة الثانية. لاشك في أن هذا التناغم الحاصل على مستوى الرئاستين (البرلمان والحكومة) ثمة من يريد تعكير أجوائه، وهو ما يشير إليه تداخل أطراف مشتركة تضم نواب سابقين وشيوخ من الأسرة لـ " خلخلة الاستقرار الحكومي وصولا إلى الانتخابات النيابية!"، وقد تشهد الساحة السياسية في المنظور القريب تطوراً دراماتيكيا غير متوقع لاسيما بعد حصول نواب "الاقتحام" السابقين على البراءة أخيراً، وتجدد الرغبة لديهم للمشاركة في انتخابات مجلس الأمة بعد أن قاطعوها في عامي 2012 و2013، وهو ما تشير إليه التصريحات التي تميل نبرتها إلى العدائية وما يشبه محاولة أخذ الثار على اعتبار أن المجلس ورئاسته انتزعا منهم، وسوف يسعوا مجدداً إلى إثارة الحراك الشعبي عبر سلسلة من الندوات لحشد قواعدهم الانتخابية من ناحية ومحاولة "خلخلة" العلاقة بين رئاستي الأمة والوزراء، من ناحية أخرى وهو ما يجب ان ينتبه إليه في القادم من الأيام. كذلك فإن قول النائب علي الراشد، أخيراً إن "الانتخابات في فبراير المقبل" في إشارة إلى اقتراب موعد حكم المحكمة الدستورية بشأن الدعوى المرفوعة ببطلان المجلس الحالي، أعقبه رد الرئيس مرزوق الغانم بأن "المجلس مستمر والإنجازات آتية". الشأن الداخلي للكويت هو جزأ لا يتجزأ من شأنها الخارجي وهو ما أكده واقع الحال في محنة الغزو العراقي التي سبقها حراك نيابي داخلي عرف وقتها بـ "ديوانيات الأثنين"، وكذلك هو ما أكدته مجريات الأحداث الداخلية تزامنا مع ثورات الربيع العربي وما أحدثه هذا الحراك النيابي من انقسامات شعبية داخلية تركت أصداءاً دولية دفعت السعودية إلى التدخل للتهدئة كما أسلفنا. فرغم الهدوء النسبي الحالي على المستوى الداخلي فإن القيادة الكويتية تقود في مقابلة حراكاً عربياً قوياً يتناسب وحدث التقارب الأميركي- الإيراني أخيراً، فبينما استضافت الكويت وقائع القمة العربية الافريقية الثالثة خلال الفترة من 18-20 نوفمبر من العام الحالي، وذلك بمشاركة 34 رئيس دولة ووفود من 71 دولة، تعهد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بمنح قروض ميسرَة للقارة الأفريقية بقيمة مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، فضلا عن ضخ استثمارات بالدول الأفريقية بالمبلغ نفسه، وذلك في إطار تعاون مع البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى، حيث بحثت القمة إمكانية إنشاء سوق عربية افريقية مشتركة وتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات والأمن الغذائي، فضلا عن قضايا سياسية. كما نجحت الكويت أخيراً مرتين في احتواء أزمة السعودية – قطر من ناحية، وأزمة سلطنة عمان الرافضة لفكرة الانتقال من مرحلة التعاون إلى "الاتحاد" الخليجي من ناحية أخرى وذلك عشية استضافت الكويت قمة مجلس التعاون الخليجي خلال يومي 10 و11 من الشهر الجاري، حيث أوصى البيان الختامي للقمة إلى استكمال دراسة موضوع "الاتحاد" الذي كادت بسببه تنسحب عٌمان من المجلس الخليجي. كما أن الاتفاق التمهيدي الذي وقعته مجموعة (5+1) مع ايران في جنيف دفع قادة الخليج إلى الاتفاق على إنشاء ما يعرف بالقيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس على أن يكون مقره في الرياض وبرئاسة سعودية، ويأتي هذا الاتفاق مكملاً لقوات درع الجزيرة التي لعبت دوراً عسكرياً في الحفاظ على استقرار النظام الحاكم في البحرين، ولم يكتف قادة التعاون بذلك بل طالبوا ايران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج واحترام سيادة دول المنطقة والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها. وجاء ترحيب البيان الختامي بمطالبة السعودية بإصلاح مجلس الأمن، وبتنفيذ العراق للقرارات الدولية بشأن صيانة العلاقات الحدودية؛ مكملاً لمطالبة دول التعاون بالمشاركة في مفاوضات ايران مع الدول الكبرى ( اميركا، الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا، بالإضافة إلى المانيا) حول ملفها النووي، وهو ما دفع مسؤول ايراني إلى القول إن "دول الخليج ليس لها ثقل كي تشارك في هذه المفاوضات"، معتبراً طلب مشاركتها "وقاحة"!
1 comment:
من يقرأ هذا التقرير يدرك قيمة المجهود الذي بذل فيه
Post a Comment