Tuesday, March 3, 2009

سياسة القهر الثقافي عند الرئيس ساركوزي


"تهذيب "الإسلام فى فرنسا

الكاتب فهمي هويدي

الاحد 1 مارس 2009 11:11 ص
نقلًا عن جريدة الشروق الجديد المصرية


زفّت القناة الخامسة للتليفزيون الفرنسى لجمهور المشاهدين فى 11/2 الحالى خبر تخريج أول دفعة من الأئمة المسلمين، الذين تم «تأهيلهم» فى المعهد الكاثوليكى التابع لجامعة باريس. وهو الجهة الوحيدة التى قبلت أن تنظم لهم دورات «تثقيفية» يستمعون خلالها إلى محاضرات فى موضوعين أساسيين هما «الجمهورية» و«العلمانية». الأئمة الذين تم تخريجهم عددهم 400 من بين أربعة آلاف إمام مسجد للجالية المسلمة التى تضم خمسة ملايين شخص، أغلبهم من دول شمال أفريقيا وغربها. محاولة وضع الإسلام والمسلمين فى القالب الفرنسى ليست جديدة، إذ منذ سنوات والمناقشة مستمرة فى الدوائر السياسية حول فكرة «الإسلام الفرنسى»، التى تنطلق من الدعوة إلى إحداث قطيعة بين النموذج المعروف والسائد فى العالم العربى، وبين نموذج الإسلام فى أوروبا. وقد لقيت هذه الدعوة صدى بين السياسيين بفعل عوامل عدة، أحدها أن المسلمين أصبحوا يمثلون حضورا قويا فى أوروبا، حيث تجاوز عددهم 20 مليون شخص، أغلبهم اكتسبوا جنسية الأقطار التى يعيشون فيها. من هذه العوامل أيضا مناخ التوجس من المسلمين الذى خيم على أوروبا بفعل الدعايات المضادة فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر. منها كذلك أن بعض الدول العربية (السعودية بوجه أخص) دأبت على تمويل عمليات بناء المساجد وإيفاد الأئمة والوعاظ. الذين حملوا معهم أفكارا كانت مصدر قلق للسلطات الأوروبية المحلية. وإذا كانت تلك العوامل قد أثرت على الأجواء الأوروبية بوجه عام، إلا أن فرنسا ظل لها وضعها الخاص فى أكثر من وجه. ذلك أن العلمانية الفرنسية مخاصمة تاريخيا للدين وليست متصالحة معه، كما فى العلمانية الإنجليزية التى ترأس فيها الملكة الكنيسة الإنجيلية. ورغم أن النخبة هناك تحترم التعددية السياسية فإنها لا تحتمل التعددية الثقافية. فالآخر مرحب به شريطة أن يتنازل عن خصوصيته وهويته الثقافية. ولن يكون جزءا من البلد إلا إذا أصبح استنساخا لأهله. بالتالى فمعيار الاندماج من جانب الوافدين هو الذوبان فى المجتمع، وليس فقط احترام قوانينه وأعرافه. مشهد أئمة المساجد فى دورة «التثقيف» المخاطب بالرموز الكاثوليكية كان محزنا ومهينا. فقد بدوا وكأنهم أسرى تم اقتيادهم وتعريضهم لعملية غسيل مخ، اعتبر المرور بها شرطا لاعتمادهم كمرشدين صالحين، وقد قررت الجهات المعنية إخضاعهم لهذه العملية باعتبار أنهم بإسلامهم وحده يظلون كائنات معيبة تحتاج إلى تهذيب وإصلاح. وذلك لا يتأتى إلا بتلقينهم عبر الكنيسة مبادئ وتعاليم الديمقراطية والعلمانية، الأمر الذى يوفر لهم «جدارة» الانخراط فى المجتمع الفرنسى. ليس هذا ترشيدا للخطاب الدينى، ولكنه تطويع له، يستهدف إعادة تشكيله بحيث يدور فى فلك المرجعية الفرنسية، الأمر الذى لا يخلو من إكراه أدبى ومعنوى، يضعنا أمام مفارقة جديرة بالتسجيل. ذلك أن الإسلام الذى يسيئون الظن به يدعو إلى عدم الإكراه فى الدين، فى حين أنهم وهم يعتزون بثقافتهم لم يترددوا فى ممارسة الإكراه فى ظل العلمانية. بحيث لا يكفى أن يحترم الأئمة المسلمون النظام العلمانى، ولكنهم يطالبون بالإيمان به والترويج له. ليست المشكلة فقط فى أن الحكومة الفرنسية تريد من أئمة المساجد أن يخاطبوا جماهير المصلين بما يعبر عن مبادئها وقناعاتها، ولكنها تكمن فى قبول ممثلى الجالية الإسلامية بهذه المهانة التى لا تفسر إلا بكونها نوعا من القهر الثقافى. كما أننى لا أشك فى أن الحكومة الفرنسية ما كان لها أن تلجأ إلى هذا الأسلوب، إلا لأنها مطمئنة إلى ضعف العالم الإسلامى وهوان أمره، ومن ثم عجزه عن الدفاع عن كرامة الإسلام والمسلمين.

No comments: