Monday, November 10, 2008

حكايتي مع الدكتور الربعي

عاش عظيماً ومات كبيراً
د.أحمد الربعي

المفكر،الأديب، الفيلسوف، الدكتور أحمد الربعي، عرفته من خلال لقاءاته التلفزيونية التي قام بتسجيلها مع الإعلامي الكويتي يوسف عبدالحميد الجاسم على محطة أوربت وتلفزيون الكويت وهما يجولان شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أسئلة متنوعة ومتميزة جعلتنا نقترب أكثر من تجارب الراحل الربعي ومواقفه وكذلك انتصاراته وآلامه، كانت لحظات بل ساعات تمر سريعاً وهو يروي حكاياته مع الأيام يجذبك بسحر اسلوبه وعميق فكره وأناقة مفرداته اللغوية التي لا يجرح فيها أحداً حتى خصومه..
وحين اسند إلي هذا العمل وهو تفريغ التسجيلات الخاصة بالدكتور الربعي وإعدادها في قالب مقروء ووضعه بين دفتي كتاب يكون ملكاً للجميع، كان الأمر بالنسبة إلي شرف كبير اعتز به وأفتخر
...

وأخيراً صدر كتاب "وداعاً يا أحمد" للإعلامي يوسف عبد الحميد الجاسم.. وهو لفتة إنسانية رقيقة تخليدا لذكرى المفكر والسياسي والأكاديمي الراحل الدكتور أحمد الربعي. ذلك الفدائي الثائر والمفكر المتعمق والسياسي النقي والإعلامي المتجدد... حياته على قصرها (59عاماً) مليئة بالمحطات والإنجازات ولأن امتدادات المؤلف مع الربعي غائرة في عمق ست عقود مضت، فلقد جاء الكتاب بالعمق والوفاء نفسيهما لصحبة امتدت لسنوات طوال، لقد كانا قريبين من بعضهما منذ المرحلة الثانوية ثم الجامعية، وافترقا حين التحق الربعي بالعمل الثوري في ظفار وغور الأردن ولبنان، وحين التحق بجامعة هارفارد بأميركا.. ثم عاد ليلتصقا معاً مرة أخرى بعد عودته من أميركا كانا أخوين لم تلدهما ام واحدة حتى فارق الحياة في الخامس من مارس 2008. الكتاب مستمد من جلسات وحكايات وحوارات، اذ يشمل جزء منه بعضاً من المحاورات التلفزيونية التي أجراها المؤلف مع الراحل الدكتور الربعى سواء عبر محطة أوربت أو تلفزيون الكويت.
كما أن الكتاب يروى على لسان الدكتور الربعي ومن خلال علاقات إنسانية جمعته بالمؤلف وأيضاً من خلال مواقفه عبر مسيرة حياته الزاخرة وكذلك من خلال شهادات من عرفوه وارتبطوا به وبفكره. الحوار مع الربعي ولعل أبرز ما جاء في هذا الكتاب، ذلك الحوار الشامل الجامع الذي أجراه الجاسم مع الدكتور الربعي عام 1997، والذي سنحاول أن نوجز قدر الإمكان أبرز ما جاء فيه، فهذا الحوار يشكل صورة متكاملة لفكر وتكوين الربعي منذ طفولته وحتى وفاته، ولقد تم أجراءه عبر محطة أوربت الفضائية. ولد الربعي في ديسمبر 1949 في أحد احياء الكويت القديمة، في بيئة حدودها الثقافية محصورة بخلاف أطفال اليوم الذين يطالعون الانترنت والكمبيوتر.. عاش في ثلاث مدارس مختلفة، فى المرحلة الابتدائية كانت نشأته في بيت متدين وملتزم جدا، حيث درس في المعهد الديني فعلق في ذاكرته ذلك التنظيم العجيب والغريب، وكان معظم مدرسيه من الأزهر الشريف، وكان المعهد مقسم إلى أربعة مذاهب، فدرس المذهب الحنبلي وتقاليده.. وكانت هذه التجربة مهمة له كطفل ساعدته على تعاليم اللغة بشكل جيد.. ثم انتقل في جزء من المرحلة الابتدائية إلى مدرسة المرقاب المتوسطة. وتأثر كثيراً في طفولته بمدرسة صلاح الدين المتوسطة، وكان ناظرها عبد الحميد الحبشي، صاحب مشروع حضاري، وكان الطلبة مقسمين إلى أربعة ألوان: عمر، خالد، أبو بكر، وصلاح الدين، ولكل مجموعة لون، كانوا يتنافسون في الدراسة والرسم والرياضة. كان اليوم الدراسي يبدأ صباحا وينتهي ليلا، كان مشروع ناظر المدرسة الحضاري، كيف يتعلم الانسان الانضباط ويؤدي عمله باتقان ويجب ان ينهي عمله المنوط به، فلقد كان الطلبة يديرون المدرسة من المقصف انتهاء بكل الأنشطة والأشياء الأخرى. في تلك المرحلة تعرف على الفكر القومي من خلال منشور عبارة عن قصيدة ضعيفة وركيكة كان البيت الأول منها يقول: تبرع لمصر أخي بالدم.. فإن لم يكن فبالدرهم. وكانت هذه البداية ليعرف ما هي مصر وما هو العدوان الثلاثي. أما في المرحلة الثانوية بمدرسة الشويخ، فقد كانت مدرسة داخلية، ولها نظام منضبط وكان في المدرسة صراع سياسي كان الربعي ينتمي إلى تيار القوميين العرب، وفي المقابل كان يوجد تيار يساري وبعثي صغير. وعندما كان يقع أي حدث عربي كان له تأثير مباشر على ثانوية الشويخ، وكانت الشرطة موجودة بصورة دائمة في هذه المدرسة بسبب هذا التأثير.. كانت المدرسة ذات تأثير كبير على جيل الربعي لأنها كانت مصدر ثقافتهم الوحيد. الحركة القومية كانت الحركة القومية تحديدا مركزها الخليجي في الكويت، بسبب الانفتاح الموجود في الديرة، وكذلك لعدم وجود عداء من النظام الكويتي تجاه المد الناصري، وكان عدد كبير من الطلاب الخليجيين يدرسون في الكويت وتأثروا بالتيار القومي من خلال وجودهم في ثانوية الشويخ ثم في جامعة الكويت، حين تم افتتاحها. في جامعة الكويت كان الربعي أحد طالبين فقط يدرسان في قسم الفلسفة تتلمذ على يد أكبر أساتذة الفكر في الوطن العربي، وكان منهم الفيلسوف المعروف الدكتور زكي نجيب محمود، والدكتور فؤاد زكريا والدكتور عبد الرحمن بدوي وغيرهم من الأسماء المعروفة، ولانهما كانا طالبان فقط فلقد كرس هؤلاء الأساتذة كل أوقاتهم لهما، فالدرس الذي يأخذ ساعة كان يستمر إلى ساعتين لذلك عندما ذهبا للدراسة بالخارج كانا محصنين ومهتمين، وكانت قراءتهما الخارجية تفوق القراءة المقررة.أما النشاط السياسي للربعي فقد بدأ خارج الكويت فلقد انضم مع مجموعة من الطلبة العرب والخليجيين الى حركة المقاومة الفلسطينية في الأردن، وكان ذلك أثناء دراسته بالجامعة. وجاءت المرحلة الثانية عندما ذهب إلى عمان وكانت توجد بها حركة التحرير وتحديدا في ظفار في قمة نشاطها عامي 1969 - 1970، وتأثر كثيرا بما رآه هناك، فكانت عُمان غريبة لأنها كانت تعيش في القرون الوسطى قبل الحركة التصحيحية ومجيء السلطان قابوس للحكم، فلقد كانت بلا مدارس او مستشفيات مفتقدة أدنى مقومات حقوق الانسان وكان معظم العمانيين فقراء. ولقد سُجن في هذه المرحلة بأحد سجون عمان (سجن كوت الجلالي)، وكانت منطقة محاطة بالبحر دون أن يوجد فيها أحد يتحدث العربية، كل سجين مقيد بحديد وبسلسلة كبيرة ولم يكن مسموحا له الذهاب للحمام الا كل ثلاثة أيام. والآن أصبح هذا السجن متحفا ممتازا بعدما نهضت عمان إلى المستقبل. قضى الربعي أكثر من عامين دراسيين في العمل السياسي خارج الكويت، ثم عاد لاستكمال دراسته منهيا الدراسة عام 1976 ثم ذهب مباشرة إلى الولايات المتحدة في بعثة دراسية. ويقول الربعي عن ذلك: لم أكن طالبا متفوقا في الدراسة.. كنت وسطا حتى بين أطفالي أحاول ألا أضغط عليهم ليكونوا متفوقين فليس بالضرورة أن يكون الطالب المتفوق الذي يحصل على امتياز هو الذي يكون ناجحا في الحياة، وعلينا ألا نضغط على الطفل أكثر. ويضيف: لم أقبل في هارفارد رغم ان معدلاتي كانت تعتبر عالية، لكن بالنسبة لـهارفارد هي معدلات ليست عالية، فتحدوني وعرضوا علي نظاما معينا كطالب خاص. وهو أن أدرس بالجامعة وإذا حصلت على النتائج المطلوبة أدخلوني الجامعة، وقبلت التحدي ووفقت، وما أريد قوله للجيل الجديد، يجب على الانسان أن يكون لديه هدف، وأن يصر على الوصول اليه. النشاط السياسي ومن المواقف التي يتذكرها الربعي بشكل خاص وكان لها تأثير في حياته أنه عندما كان بالجامعة كان هناك مجموعتان، وكان التيار الاسلامي وقتها ضعيفا وليس له وجود، وكانت المجموعة الأولى هي قائمة الديموقراطية.. وكان هو احد اعضائها المعروفين، أما القائمة الثانية فهي الوسط.. وكان هناك تنافس بينهما أثناء الدراسة، وبعد التخرج اندمجتا في مجموعة واحدة، وكان النشاط السياسي في تلك المرحلة مهما. وكانت مجموعته تطرح طرحا يساريا، وتم انشاء مجموعة كبيرة من زملائه الموجودين في الكويت، وحدث في هذه الأثناء حل البرلمان عام 1967. ويضيف: كنا نتحلى في هذا الوقت بما يمكن أن اسميه بالترف السياسي والمراهقة السياسية، كان نزقا سياسيا مستعجلا، يريد ان ينهي كل شيء بغض النظر عن الاعتبارات الاجتماعية والتاريخية والظروف والآخرين وطريقة تفكيرهم، ويومها بدأنا نواجه قضية حل البرلمان بشيء من الرد العنيف، وشكلنا مجموعة سياسية تنظيمية، انشقت عن القوميين العرب، وبدأنا نشاطا ذا طابع عنيف، فصارت أحداث أو مفرقعات عام 1967، ولم أكن موجودا في تلك الفترة في الكويت، وكنا نريد ان نسمع صوتنا من خلال هذه الأحداث، وروى في هذا الإطار واقعة مع الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله، رحمه الله، ذات دلالة بليغة. ورواية أخرى مع السلطان قابوس استلهم منها دروساً ثريّة. أما علاقته بالصحافة، فبدأت أيام الدراسة، فقد كان في صحيفة السياسة، ثم انتقل إلى صحيفة الوطن في بدايتها وكان يملكها محمد مساعد الصالح، وكتب فيها.. وبدأت كتابته اليومية المنتظمة بطريقة طريفة. وأبدى رأيه في مجموعة من كبار الكتاب والصحافيين العرب ومنهم محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وعبد الرحمن الراشد، كما أبدى آراءه حول العديد من القيادات والزعامات العربية.

1 comment:

Unknown said...

شكرا لذكر الاستاذ عبد الحميد الحبشي رحمه الله. أنا حفيده و تأثرت به جدا في حبي لعملي و قيمة الانضباط و الإخلاص و التفاني فيما أقوم به.
تحياتي

د.شريف عرفة
www.DrSherif.Net