كانت لنا معه أيام في جريدة الراي الكويتية
الراحل رضا الفخراني
رضا الفخراني.. الضاحك الباكي
لقد عاصرته في جريدة الراي الكويتية يوم التحقت بالعمل فيها محرراً في شهر يوليو عام 2004 كان وقتها رضا مسؤول قسم المنوعات، ولم يمض على مجيئي إلى الكويت أكثر من أسبوع لم أكن بعد اعتدت على المكان فقد كنت جاداً إلى حد الغثيان! لما رأيت من حولي في الجريدة يعمل بصمت وكل في مكانه؛ عدا رضا الفخراني الذي كان يتنقل بين الأقسام وفي صالة التحرير والابتسامة لا تفارقه كان ضاحكاً وصاحب نكته يهمز ويمزح ويسخر، وبقيت أراقبه عن بعد وأقول في نفسي وأنا الذي لا أزال وقتها حديث عهد بالمكان لماذا هذا الرجل مختلف؟ حقيقة كنت أتخوف القرب منه فأنا لا أعرفه لكن في أحيان أخرى حين يصمت هذا الرجل (رضا) فجأة وتراه جالساً على مكتبه المعزول في ركن مقابل مكتب نائب مدير التحرير على بلوط - آنذاك - كنت أرى على وجه رضا سحابة حزن غريبة قد لا يلمحها كل أحد كنت أستغرب وأقول في نفسي هذا الضاحك البشوش صاحب الطلة هل يكون حزيناً؟ سحابة الحزن هذه التي كنت أرقبها على تقاسيم وجهه بين الفينة والأخرى كانت تجعلني على يقين بأن هذا الرجل في داخله شيء يحاول أن يخفيه لكن عيناه وتجاعيد جبهته تفضح سره، حقيقة ظلت علاقتي به من بعيد بعض الوقت رغم مراقبتي له طول الوقت.
وفي أثناء عملي في جريدة الراي قابلتني ظروف تتعلق بالإقامة لاسيما وأن صاحب الجريدة وقتها كانت بينه وبين ورثة عميد الصحافة الخليجية عبدالعزيز المساعيد قضايا في المحاكم حالت دون الإسراع في عمل إقامتي، كان هو يأتيني ويسألني إيه الأخبار فأرد " الحمد لله.. لسه شويه.. ربنا يسهل" وأراد يوماً أن يمزح معي فأخذ هاتفي النقال الذي كنت أضعه على مكتبي حين ذهبت إلى دورة المياه وعدت ولم أجده وسألت في صالة التحرير "محدش شاف تلفوني" وقد كان الفخراني يجلس بالقرب مني لكنه لم يرد وكررت أكثر من مرة "محدش شاف تلفوني" دون رد، ثم وجهت سؤالي له مباشرة "عمي رضا تلفوني فين؟" - لأني كنت أعلم أن له في مثل هذه الحركات - فتماسك ودون أن يظهر شيئاً "وبتسألني ليه؟.. دور على تلفونك كويس ممكن تكون نسيته في أي مكان" فقلت له "والله يا حاج رضا الحركات دي متطلعش غير منك.. طلع التلفون؟" وبعد شد وجذب ولما رأى غضبي أخرج هاتفي النقال مبتسماً وهو يقول "قلبك أبيض خد يا عم تلفونك"... رحمك الله يا فخراني وغفر لك.
***************
أسامة أبوالخير
اسمع يا رضا !
هل تفي الكلمات
بمن وافاه الممات؟
اسمع
غيابك جدد حضورك
حضور الأيام الخاليات
... الأيام التي غصت بالذكريات
حتى حلت الغصة....
وماتت فينا الضحكات
اسمع
للأحبة مكانة ولفقدانك مكانات
* * *
وان فتحنا صفحة تتوالى الصفحات، ومن روحك الطاهرة نستأذن الكلام - حتى يدرك من لا يدرك من هو رضا الفخراني.
- «لاس فيغاس»... مين فيكم يوصلني الى لاس فيغاس، قالها رضا وبكل جدية... سيارتي متعطلة حد الشقة فيها!
نظر الجمع الى رضا، باستغراب وسأله أحدهم هل سبق وان زرت لاس فيغاس؟ وبسرعة البرق أجاب «انتم يابنانيين (لبنانيين) مفكرين نفسكم وحدكم اللي زرتو لاس فيغاس في أميركا ومعاكو شوية مصريين زاروها كمان، احنا عندنا اللاس فيغاس بتاعتنا».
• وأين هي؟
- «الفروانية... ما غيرها المشعشعة بالأضواء وبالمصريين كمان وكمان بتصير لاس فيغاس (بتاعة أميركا) للي يعيش فيها بعد الجليب».
وعندما انبرى أحد الزملاء لنقل رضا الى «لاس فيغاس»، انفعل، وطلب اليه التريث حتى ينهي تحريره للخبر «انت مش شايف يا...، لسه ما خلصتش الشغل».
وكان رحمه الله يطرز عمله كما يطرز الترزي فستان العروس، فالخبر يخرج من بين يديه مصقولا بدءاً من العنوان حتى آخر نقطة فيه.
* * *
- «منزل على الورق»، ذات يوم، اختلى رضا بنفسه وراح يرسم منزلا متعدد الغرف وبعد ان انتهى من (مهنة الهندسة) راح ينادي على الزملاء في صالة التحرير «ايه رأيكم... مكتبي يكون في الحتة دي او هناك؟».
وعلى مدى أيام متتالية كان الرسم الهندسي للمنزل يتغير، وعن السبب كان يقول «دي بنتي الشقية (...) التي أحبها موت ولكن أريد ان تكون غرفتها بعيدة عن مكتبي».
لا نعلم ان كانت أحلام رضا على الورق تحققت وشيّد المنزل في مسقط رأسه في المنصورة والذي أراده ان يضم حرمه وأبناءه الستة، أم ان ما ادخره للبناء قد هدمه في سبيل العلاج بعد ان دهم المرض جسده فجأة... وحصلت الوفاة؟
* * *
اسمع يا رضا.
غيابك جدد حضورك، مستحضرين مقولتك «كل العالم أساساته أفلام».
صفحات ذكرياتك تطول وتطول وتطول، ولا تطوى.
... ومع الرحيل يتحول الشوق إلى أشواك.
* * *
رحمك الله
علي بلوط
صديقنا الودود... رحل
كان اللقاء الاخير سريعا عابرا، وكنا على موعد جديد... بلا تحديد، فقط تحدده الفرصة والصدفة، وأحيانا الاشتياق بعد طول غياب، بينما كان الاتصال، مستمرا، مجاريا للأحداث الساخنة بتحليلات، وقفشات تنتهي دائما بضحكة تكاد تقطع الانفاس.
لكن هذه المرة يأتيني صوته هادئا، مثقلا بوجع لم يفصح عنه، بدا كما لو أنه يختصر الجملة بـ «مانشيت» من دون الدخول في التفاصيل، أراد ان يضع لمسته الاخيرة، وينهي خاتما كلماته المقتضبة بسلام حار جدا... وغياب.
رضا الفخراني، صديق تقترب منه بجلسة واحدة، وتغوص في قلبه الابيض بجلستين، وفي الثالثة سيكون هوالصديق والاخ، وابن البلد الاصيل المغرم بإرث الصحراء، وتقاليد البادية، وحكايات الفرسان. كان نقيا، يدخل القلب من اوسع ابوابه، فيأتي بموقف، وينهيه بحدث، وبينهما ألف ضحكة وابتسامة، كان لديه موهبة ذاتية في رصد الصورة تعليقا واكتشافا.
كان وحده...حياة لاتموت، حياة مشعة منتشية لامجال فيها للحزن والسواد، يحرك الركود، ويحدث دويا في الصمت، ويزرع جوا مرحا فرحا مبهجا للنفس والروح والجمعة الطيبة.
وعلى الجانب الآخر كان مهنيا من نوع خاص، كمن يلاعب الكلمات في بحر اللغة، ليستقر في نهاية الجملة على الصيغة المبهرة والعنوان... «الخطير» خاتما وصلته الابداعية دائما... ايه رأيكم ياشباب؟ ليأتيه الرد سريعا : «كبير يابو سهير». غادرنا ابو «يوسف» بلا مقدمات، تاركا خلفه رحلة كفاح طويلة فيها دراسة وغربة، وعمل، واجتهاد ونجاحات واسرة وأولاد... ورصيد كبير من المحبة والاخوة والمواقف والصور والذكريات،
... وداعا صديقنا الودود سنتذكرك دائما بكثير من الاشتياق والمحبة.
مخلد السلمان
جاء يوسف وخالد ورحلت
جاء يوسف وخالد ورحلت يا رضا، كنت تحلم بولد يحمل اسمك ونعشك ويهيل عليك التراب اذا حضر الأجل ويلهج بالدعاء على قبرك عند السؤال، لكنك لم تمهل صغيريك حتى يلبيا رغباتك، مذ التقيتك وأنت تحلم بولد يحمل اسمك وبعدما انجبت خمس بنات رزقت بتوأم حملا اسمك ولم يحملا نعشك لأن رحيلك باغتهما وعودهما الطري تكسر أمام نعش أب كان يمر سريعا على محطات حياته وكأنه يعرف أنه لن يعمر طويلا.
كنت شغوفا بالحياة مثلما هو شغفك بقواعد اللغة العربــيـــة كــانت حــيـــاتـــك «مرفوعة» بـــالــقــلـــق و«مــنــصوبــة» بالمـــجــهـول و«مكسورة» بالحـــزن حاولت دوما أن تظهر خلاف مــا تبطن تضج بالدعابة والفرح والنكات وشعاب روحك تـــســـتــبـــد بـــهـــا الحـيـــرة ويكتنزها الأسى، يا فــخـــرانـــي غادرت الفانية وهي سنة الحـــياة ولــكــنــك زرعـــت الغــصة في قلوب من عاشروك لأنك كالحلم أتيت سريعا ورحــلــت سريــعــا.
فرحان الفحيمان
رضا... افتقدناك
لم يكن يوما عاديا ذلك الذي تلقيت فيه نبأ وفاته، فما لبثت أن شعرت بحزن عميق يتملك أركان فؤادي، حتى بدا لكل غاد وآت، وأنا الذي كثيرا ما توقعت أن تكون نهايته قد اقتربت، ولكنه الحب والتقدير والشعور بفقدان شخص عزيز... إنه رضا الفخراني.
عرفته محررا ألمعيا لا يشق له غبار، وإنسانا اجتماعيا يسبح في أي تيار، يملك البسمة بين يديه، يوزعها على المحيطين به، يسخر من المتاعب والآلام، يسمو فوقها بطريقة يعجب لها الشجعان.
رأيته يصول ويجول في غيابات مهنة المتاعب، فيحوز بها كل تقدير واحترام، قلمه لا يخطئ، وفهمه يتجاوز الكلمات إلى ما وراءها، يصوغ من الكلم ما يجذب به لب القراء، ويغوص في الاخبار لينتقي منها أهمها، ويضعها أمام المتلقين في حلة بهية، تجسد فكر قائلها بلا تحريف أو تجريف.
سبقته سمعته في مدرسة «الراي» حيث بدأ، وحيث مرح، فكان فردا من أسرة، شرب من معين خبراتها، ولم يبخل عليها بموهبته، فكانت بينهما صلة لا تنقطع، فهو يتابع أخبار أساتذتها، وهم يطمئنون عليه من حين لآخر، وليس أدل على ذلك مما نعاه به أحد معلميه وصديقه الزميل علي بلوط، حيث قطرت من كلماته الأحزان تترى، ونقلت ما رأيته أنا على محياه من أسى حين أعلمته الخبر، وحين سمع من كريمة الفقيد ما بثته إليه من حزن لفقدها والدها.
لا أنسى كيف كان يحكي لي ذكرياته التي اعتزَ بها مع كل من بـ «الراي»، فلم يمر موقف بيننا -خلال فترة عملنا معا بالزميلة «الجريدة» والتي امتدت خمس سنوات- حتى يربطه بذكرى عزيزة لديه مما حدث معه بـ«الراي»، فعندما يطلب غداء لثلاثتنا انا وهو ورفيق دربه المهني ياسر السعدي يطلب من مطعم اعتاد الأكل منه مع رفقاء «الراي»، وحين خرجنا (ثلاثتنا أيضا) للعشاء لم يخل الحديث عن نوادر «خروجاته» مع زملاء المهنة بتلك الجريدة العريقة.
كانت البساطة عنوانا كبيرا في تعامله مع الجميع، فلم يمنعه الفارق في السن بيني وبينه من استشارتي على قلة خبرتي عنه فيما يعرض له من مسائل، وكم كنت أخلص له النصح، وأنتقد ما أراه ابتعد فيه عن جادة الصواب، فيأخذ بالرأي عن اقتناع، وكم حدثت من مواقف احتد فيها بغير حق، وبعد لحظات يعود فيقبلني معتذرا بلا كلمات، وتمضي بنا الحياة كما كانت، بل وأفضل مما كانت.
يااااه، كم كان يسعد حين يحكي لي عن معاملة والدته له، رحمة الله عليهما، فتبدو على ملامحه الفرحة برضاها، والرضا بما قسمه الله له من طاعته لها، وحرصه على برها، حتى ماتت وهي عنه راضية، فهنيئا لك رضا برضا الأم، وهنيئا لك بمغفرة نرجوها لك من الله لكللك طلبا للحلال، كذا نحسبك والله حسيبك، فـ»من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له».
ارقد رضا بسلام، جعل الله الجنة مستقرك ومسكنك، وأبدلك دارا خيرا من دارك، وأهلا خيرا من أهلك، وغسلك بالماء والثلج والبرد، اللهم اجعل أولاده بالصالحات مقربين، وكن لهم سندا ومعينا، اللهم آمين.
محمد أبوبكر أبوهنتش
وداعا... صديقي
عمل في أماكن كثيرة، وعملتُ أيضا في أماكن كثيرة، التقينا في بعضها، جمعتنا زمالة عابرة، لم تكف لأن أعرفه أو يعرفني. في جريدة «الجريدة»، من جديد التقينا، تحاورنا وتناقشنا، عرفته وعرفني، ونشأت بيننا صداقة جميلة.
كان رضا الفخراني حساساً، شديد الحساسية، حريصاً على ألا يخدش مشاعر أحد أو يخدش أحد مشاعره، مرحاً، ساخراً كأبلغ ما يكون الساخرون، مقبلاً على الحياة، محباً لها، لديه قدرة فائقة على اختراق الحواجز والسدود والنفاذ الى القلوب والعقول.
من يعرفه سوف يحبه ويحترمه، ويتمنى لو نشأت بينهما صداقة منذ زمن بعيد.
على المستوى المهني، كان ماهراً في رسم العناوين كمحرر «دسك» محترف، يفكر ويفكر، يتأمل ويدخن ثم يفاجئك بعنوان مبهر ينم عن نفس موهوبة، وعقل حاضر البديهة لماح.
قامت الثورة، ثورة 25 يناير، ورأى رضا رئيس مصر السابق يحاكم طريح الفراش، فتغلب فيه جانب الانسان.
كان يدرك أن مبارك له أخطاؤه التي تستوجب محاكمته، لكن نزعة الانسان في داخله جعلته يجاهر برغبته في العفو عنه، وليُترك أمره الى خالقه، ما اثار حفيظة زملاء آخرين.
حزن على حال مصر بعد الثورة، وما أصابها من عثرات وما سقط فيها من ضحايا.
لم يكن بينه وبين التيارات الدينية ود كبير، كان ينظر الى جوهر الدين لا قشرته، فالتدين ليس فقط لحية وجلبابا، وكنت استفزه باتهامه بانه عدو للدين! كانت التهمة تزعجه، فيحاول جاهدا إفهامنا ان موقفه ليس عداوة للدين لكنه عداوة لمن يتاجرون باسم هذا الدين!
لم يكن كذلك محباً لعبدالناصر ولا الناصريين، فجمال - وفقاً لرؤيته - ارتكب أخطاء كبيرة تنزع عنه هالة التقديس التي كان انصاره ينبهرون بها، ومنهم الزميل في قسم الدسك والتصحيح جمال عبدالرحيم، الناصري حتى النخاع، ما أوجب بينهما، أي بين رضا وعبدالرحيم، حالة دائمة من الشد والجذب، والكر والفر، فكنا نتدخل أحياناً نساند أحدهما على حساب الآخر حتى يشتد الجدل وتستعر الحرب!
لم تكن الكويت بالنسبة له مكاناً لجمع المال، كانت علاقته بها أعمق من ذلك وأسمى، أحبها شعباً وأرضاً، ورغم مرضه وألمه أصر على البقاء فيها، ولولا هذا الرابط العميق لانتهز فرصة مرضه، وغادر عاقداً العزم على ألا يعود إليها مرة أخرى.
كان يعتبرها بصدق وطنه الثاني، حمل لأهلها الكثير من الود والحب، وكان ممتناً بعمق لوكالة الانباء الكوينية «كونا» ولجريدة «الجريدة»، اللتين يعمل فيهما، ولمسؤوليهما الذين ساندوه في محنته، وأحاطوه بكل مشاعر الاخوة والمحبة.
كان يكن معزة لزملاء كثر، لكن معزته لرفيق دربه في عالم الصحافة الزميل ياسر السعدي (ابو عمار) كانت من نوع مختلف، فكان يقول عنه انه «أخي الذي لم تلده أمي، ولن أنسى ما حييت وقفته الى جواري في الصحة... والمرض»، وعندما سئل قبل أن تسكنه غيبوبة الرحيل: ماذا تريد؟ قال: أريد رؤية ياسر... وأولاده!».
لقد نعاه ابوعمار - دون ان يدري - قبل يوم من موته، عندما سألته عنه، فهز رأسه حزيناً وقال: «لقد احتاج امس الى نقل دم»، وهو الامر الذي يعني وصول المرض الى مرحلة النهاية.
كان يتألم ألماً كبيراً، وكان يحاول إخفاءه. ظل يقاوم ويقاوم. كنت اظنه سينتصر ويقهر المرض الذي تمكن من كبده حتى سحقه. لم تتمكن ارادة الحياة لديه من الانتصار على أظفار المنية، فلم يشفع له أي دعاء.
زملاؤه في القسم، صلوا عليه جماعة صلاة الجنازة، في الوقت الذي كان يُصلى عليه في مسقط رأسه المنصورة، ودعوا الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته.
لقد انتظرنا عودتك الى وطنك الثاني، انتظرنا عودتك إلى «الجريدة» المكان الأقرب الى قلبك، انتظرنا عودتك الى زملائك وأصدقائك وأحبابك، لكن هيهات هيهات، رحلت وتركت لنا «المرارة» والذكريات.
وداعاً رضا... وداعاً أيها الرفيق... أيها الصديق... أيها الشقيق.
أسامة أبوزيد
كل «الرضا» عن «رضا»
لا أجد من الكلمات بحق المغفور له باذن الله رضا الفخراني إلا «إنا لله وإنا اليه راجعون» فأبو «يوسف» زاملته لمدة سبع سنوات في «الراي» ولم اجد منه سوى حسن المعاملة والتوجيه والنصح، وكان يرحمه الله ذا خلق حسن طيب المعشر كثير الابتسامة مرح لا يكرهه أحد حتى لو اختلف معه.
رضا الفخراني كان نموذجا «للكفاح» يفرض نفسه بكفاءته وليس بأسلوب آخر مما جعله محبوبا من الجميع وكان يرحمه الله مؤمنا بأن «النصيب» مكتوب لكل واحد منا فلذلك لم يجد صعوبة في العمل في المجال الاعلامي بل وكان اذا ما ترك عملا وجد افضل منه لقدرته وتمكنه الصحافي.
معرفتي به كانت حينما صافحني في احد الايام وقال لي انا اعرفك قبل ان اراك لأنه كان «المصحح اللغوي» وكان يوجهني بطريقة الكتابة والاسلوب مع اظهار نقاط الضعف لدي وتوجيهي بأفضل الطرق الصحافية وامتدت معرفتي به حتى وفاته رحمه الله. رضا صاحب الابتسامة المستمرة والحس الاخوي اكتسب معرفة واسعة في الاعلاميين وكان نجما من نجوم ديوان الزميل «خالد المطيري» طيلة اربع سنوات نفتقده حينما يغيب ونفرح برؤيته واتذكر جيدا حينما اقام عقيقة ابنيه يوسف وخالد، في الديوان واتصل بالجميع لحضورها فحضرها اغلبية الزملاء لحبهم له ولفرحته بمولوديه.
رحم الله الاخ والصديق رضا الفخراني وألهم ذويه الصبر والسلوان فقد كان أخا عزيزا لنا يفرحه ما يفرحنا ويؤلمه ما يؤلمنا وترك انطباعا جميلا طيلة مزاملته لنا وسيرة عطرة لن تنسى برحيله.
عايض البرازي
... وغاب رضا
«إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا رضا لمحزونون».
كان وقع الخبر علينا كالصاعقة، حالة من الوجوم والذهول خيّمت على مكتب التصحيح بجريدة «الراي» والعاملين فيه.
من عمل معه يعرف انه «لا يغيب» فكان صديقا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حريصا على الصداقة والأخوة والزمالة، كان مرحاً مقبلاً على الحياة أشد ما يكون الإقبال، قفشاته ونكاته لا تنتهي، البسمة دائما تعلو وجهه، فإذا اقتربت منه فتجده الإنسان الناصح المخلص لك، تدخل إلى قلبه عندما يحس بإخلاصك له، جمعتنا ذكريات ومواقف كثيرة، كان فيها نعم الأخ ونعم الصديق، كانت صداقتنا ليست على المستوى الشخصي فقط، بل تعدت إلى مستوى الأسري، فكان عدواً للحزن، لا يستطيع أن يعيش فيه إلا برهة، وسرعان ما يعود إلى طبعه المحب للضحك والمرح.
كان رضا طالباً نجيبا في مدرسة التصحيح الأولى لجريدة «الراي» التي كان يقودها المرحوم «أبو رائد» عليهما رحمة الله، نهل من بحر العلوم والمعرفة، وكان شغوفاً لعمله، كما كان دائما ينسب الفضل لـ «أبو رائد» الذي استقى وتشرب من معينه مهنة التصحيح، وظل بقسم التصحيح قرابة خمس سنوات، لم تفارقُه البسمة، ثم انطلق إلى الدور الثاني محرراً صحافيا، غواصا في بحر الصحافة يسبح فيه بين المحليات والفنون مروراً بالأخيرة وغيرها من الأقسام المختلفة، إنساناً تحركه مشاعره، عاشقاً لمهنته احبها فأحبته واعطته، متمرداً مع سبق الاصرار والترصد، ساخراً من الطراز الأول، عنيدا في مبادئه، حاداً في صراحته، يرفض ان تهزمه الأحزان، له قلب كبير يحتوي الجميع باختلاف اخلاقهم وطبائعهم، وله ابتسامة طفل تشرق على من حوله. كان رحمه الله يصارحني دائما بانه يتمنى من الله ان يرزقه الولد، فكنت دائما اطمئنه بان الله سوف يرضيك وتؤاخي البنات، فكان له ما تمنى بان رزقه الله بولدين (خالد ويوسف)، لكن القدر لم يمهله، وفرق الموت بينهم، لكن ندعو من الله ان يجمعهم به في الجنة، فلله ما اعطى ولله ما اخذ وكل شيء عنده بمقدار، رحمك الله يا رضا، وأسكنك فسيح جناته، ورزق اهلك ومحبيك الصبر والسلوان.
سمير كمال راشد (التصحيح)
رضا الفخراني... لم يعد للتنافس معنى
تعرفت عليه يوم أن التحقت بمدرسة «الراي» مصححا، وشاءت الأقدار أن أجلس في المكان نفسه الذي كان يجلس فيه بقسم التصحيح، قبل أن يصعد إلى أعلى منضما إلى من سبقوه في صالة التحرير.
إنه الزميل والرفيق رضا الفخراني، الذي كان يسبقني دائما في تنافس شريف بمضمار «مهنة المتاعب»، سبقني إلى «الراي» مصححا، ويوم أن لحقت به، تركني وانطلق إلى عالم الصحافة محررا فذا، تاركا إياي في قسم التصحيح، أنظر إليه كلما مرَّ علينا نظرة إعجاب متسائلا هل أقوى على المنافسة معه في ميدان كان يجيد الرماية فيه؟
تحقق حلمي وصعدت إلى صالة التحرير ذلك المكان الذي رأيت فيه عمالقة الصحافة في الكويت، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الفخراني، أراه يوميا وأتبادل معه أطراف الحديث أحيانا، اقتربنا ولم يستطع تنافسنا أن يفرق بيننا، حتى غاب عن «الراي» جسدا، متنقلا كالطائر بين مؤسسات صحافية عدة، لم يلبث أن يستقر على غصن إعلامي حتى يتركه ويحط على غيره.
لم أعد أقوى على منافسته فهو ينطلق بقلمه انطلاق البرق، يكتب في كل شيء، لا يجف قلمه، ولا يمل حديثه، فاكتفيت ببقائي متصلا به أتعلم منه، كيف أكتب، وكيف أنتزع الضحكة من شفاه كل من أجالس، وكيف أتناسى آلامي حين أخفف عن الآخرين آلامهم.
لم يعد للتنافس معنى بعد أن ترجل الفارس عن صهوة جواده، ورحل إلى عالم الخلود، مستقرا برحمة الله في جنة رضوانه، سابقا إياي كعادته إلى حياة لا ألم فيها ولا مرض، تاركا إيانا نعاني صراع العيش والخوف من المستقبل على الأهل والولد.
رحمك الله يا رضا وألهمنا وذويك الصبرعلى فراقك.
عبدالله فهمي
No comments:
Post a Comment