Sunday, May 2, 2010

لبنان .. خارج القانون



!عندما تسود شريعة الغاب
بقلم/ رجب سعيد
كاتب مصري

:يقول الشاعر العربي
لا يصلح الناسُ فوضى لا سَرَاة لهم
ولا سَرَاة إذا جهّالهم سادوا

يوم الخميس الماضي وفي بلدة "كترمايا" بقضاء الشوف في لبنان كنا على موعد لنرى بأم أعيننا تجسيدا حيا لمعنى بيت الشعر السابق .. شاب مصري اسمه محمد سليم (38 عاما) لم يمض على إقامته في لبنان سوى بضعة أشهر، اتهم في جريمة قتل أربعة أفراد من عائلة واحدة، فتاتين وجدهما وجدتهما، وتم توقيفه "للاشتباه به" بعد ساعات من وقوع الجريمة، وجرى اقتياده إلى قسم الشرطة للتحقيق معه (روت بعض الصحف أنه اعترف بارتكابه الحادثة)
اصطحبه رجال الأمن إلى مسرح الجريمة لتمثيلها على أرض الواقع، وفي غياب تام لدور أفراك الشرطة، يختطف الأهالي المتهم ويوسعونه ضربا وسحلا حتى كاد يلفظ أنفاسه، وبعد ان استخلصه رجال الأمن من أيدي الأهالي نقلوه إلى مستشفى حكومي، إلا أن الأهالي الذين نصّبوا من أنفسهم قضاة وجلادين تتبعوا المتهم إلى المستشفى وأجهزوا عليه، ثم قاموا بسحب جثته من المستشفى إلى الشارع وربطوها في مؤخرة سيارة وانطلقوا بها نحو البلدة ليتم سحل الجثة في الشارع، ثم وضعوا الجثة على مقدمة السيارة ونزعوا الثياب عنها وعلقوها بقضيب من الحديد في عمود إنارة، كما تعلق الذبيحة، وانخرطوا في إطلاق صيحات الفرح والتقاط الصور عبر الهواتف المحمولة
إن الحادث الذي رويته ليس مشهدا في أحد الأفلام تفتق عنه ذهن كاتب السيناريو وأجاد المخرج حبكه لإشباع نهمة المتفرج أو لاستدرار عطفه أو ربما لتسويق فيلمه جريا وراء المكاسب، لكنه بالفعل وقع على الحقيقة في لبنان، البلد العربي الشقيق والدولة ذات الكيان المؤسسي التي تتشدق باحترام القانون والدستور ورعاية المكتسبات الديموقراطية.. صحيح أن الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق القتلى الأربعة لا يقرها دين ولا قانون وتقشعر لها الأبدان، لكن ما فعله الأهالي بحق المشتبه به من إزهاق روحه بهذه الوحشية والهمجية ثم التمثيل بجثته أمر لا يقل بشاعة عن جريمة القتل ذاتها، إذ كيف يتم قتل متهم دون أن يخضع لمحاكمة عادلة تظهر إدانته وتؤكد استحقاقه للعقوبة التي ينص عليها القانون، وتتاح له فرصة الدفاع عن نفسه وتفنيد ما أسند إليه من اتهامات؟! هل أصبحت دماء الناس رخيصة إلى هذا الحد في غياب الأمن والقانون ؟! هل انتزعت العقول من أدمغة الناس فتحولوا إلى وحوش ضارية تلوغ في دماء فرائسها دونما رحمة أو شفقة؟! وماذا لو ثبت أن الشخص المشتبه به بريء من التهمة المنسوبة إليه؟! خصوصا أن بعض الصحف نقلت عن مصادر في جهاز الأمن الداخلي اللبناني أن جهات التحقيق لم تفلح في الحصول على أى اعترافات من المشتبه
وأن والدة الفتاتين اللتين تم قتلهما، أصرت على اتهام أحد الأشخاص الذي سبق أن هددها بقتلهما، بل ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن مصدرا أمنيا مطلعا وضع احتمال أن تكون السكين التي تم العثور عليها في منزل المتهم، وجاءت الدماء فيها مطابقة لدماء إحدى الطفلتين، تم دسها في منزله من قبل مجهول استفاد بالقصاص المبكر من قبل الأهالي قبل ثبوت الإدانة أو من قبل شريك خفي في الجريمة .. إن الجرح الذي تركه هذا الحادث في قلوب كل من عرف به وقلوب المصريين خصوصا جرح نافذ وكبير عصي على أن يلتئم بسهولة، وإن وقع الصدمة شديد إلى الحد الذي يعقد الألسنة ويطير العقول، وإذا وصلت الأمور إلى هذا الحد من الانفلات فإن نذر الشر المستطير تحدق بنا جميعا كأمة عربية يجمعها نسيج قومي واحد وهدف مشترك، وإن لم تتدارك هذه الأحداث فإن مصائرنا جميعا ستكون حتما في مهب الريح!!

No comments: