Thursday, May 13, 2010

!فوضى التغيير وتغيير الفوضى


مقال للكاتب والصحافي
عادل بدوي

adelbadawi@hotmail.com


باستثناء ما أثاره الرئيس مبارك في خطابه الأخير عن " فوضى التغيير " ، أكاد أجزم بأن هذا الخطاب نسخة مكررة من خطابه السنوي في عيد العمال، بدءا من الحديث عن ربط زيادة الأجور بالإنتاجية، ومرورا بدعم ورعاية عمال مصر وعاملاتها والوقوف إلى جانب محدودي الدخل .. إلخ.
وبعيدا عن حال عمال مصر المقهورين الذين يفترشون أرصفة مجلس الشعب منذ شهور للمطالبة بحقوقهم من دون أن يلتفت إليهم أي مسئول يوحد الله ، تجدر الإشارة إلى فوضى التغيير التي تحدث عنها الرئيس وتحذيره المباشر والصريح بأنه لن يقبل بأي فوضى في الشارع المصري، لأن هناك فرقا كبيرا بين الفوضى والدعوة إلى التغير، وطلب الرئيس من دعاة التغيير أن يضعوا البرامج والخطط لإدارة شئون مصر الداخلية ، وان يرسموا السياسات الخارجية التي تنجو بمصر من التحديات الإقليمية والعالمية.
لقد لامس الرئيس مبارك كبد الحقيقة عندما وصف تحركات دعاة التغيير بالفوضى، فالمعارضة المصرية مشتتة ولا تملك خطابا موحدا ولا رؤية للمستقبل، وكل ما سمعناه ونسمعه هو المطالبة بتغييرات دستورية تسمح للمستقلين من أمثال الدكتور البرادعي والسيد عمرو موسى بالترشح لرئاسة الجمهورية خارج عباءة الأحزاب، وكان الأولى أن تتوحد رؤى المعارضة بشكل يليق بمصر وتاريخها العريق، فتقام الندوات والمؤتمرات التي تروج لمشروع المعارضة وتكشف عن برنامج الرئيس المصري القادم الذي ستفرزه هذه المعارضة، وما يحمله للمصريين في الداخل والخارج.
اليوم ونحن نعترف بضعف وهشاشة المعارضة المصرية لابد أن نبحث في الأسباب والتي من أهمها حالة الموت السياسي التي يعانيها الشارع المصري منذ عقود، فلا صوت يعلو فوق صوت الحزب الوطني الذي استطاع قتل كل الأحزاب الأخرى وتحنيطها ووضعها في توابيت أو مقرات لا فرق، ولولا ما أحدثه الدكتور البرادعي من زوبعة غير منظمة في الشارع السياسي لما تغير شيء ولاستمرت دعوات " كفاية " وأخواتها في ممارسة دورها المحدود في الفعل ورد الفعل، ولا أتصور أن بإمكان تيارات المعارضة المصرية أن تفعل شيئا ملموسا ما لم تتوحد وتتفق على سياسة فاعلة غير المظاهرات التي بات قمعها أشبه بنزهة تقوم بها قوات الأمن في ميدان التحرير.
أما ما يدعو للأسى والأسف فهو أن تصب جريدة الأهرام " بجلالة قدرها" اهتمامها بعدد المرات التي صفق فيها الجمهور أثناء خطاب الرئيس، وان يتباهى رئيس التحرير في افتتاحية الأهرام بأن الخطاب استمر 40 دقيقة،و "الرئيس واقف على رجليه!"، في وقت نقلت صحف المعارضة أن الخطاب استغرق 10 دقائق فقط، وما يزيد مرارة الفوضى المنظمة التي نعانيها من مؤسسات " الوطني " ونوابه ومريديه والمطبلين له تلك الدعوات التي انطلقت أثناء الخطاب والتي تنادي باستمرار حكم الرئيس مبارك لمصر مدى الحياة، أما المضحك المبكي ذلك اليمين بالطلاق بالتلاتة الذي أطلقه أحد عمال مصر "أننا بنحبك ياريس"، و " متسبناش ياريس"، وأنا اعلم جيدا أن اختيار الحضور في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر يتم بعناية أقل قليلا من "العناية المركزة ".
إن الذي يحتاج إلى التغيير فعلا هو تلك الفوضى التي نعيشها منذ 30 سنة والتي قتلت الروح السياسية في مصر وجعلت كل شيء خارج عباءة الحزب الحاكم مرفوضا وأشبه بالكفر الذي يستوجب تمديد العمل بقانون الطوارئ للسيطرة على " ولاد الكلب أعداء الوطن " ، ومفيش فايدة يا صفية إلا الانتظار إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

No comments: