Saturday, May 15, 2010

عرب سيناء.. أبناء مصر
"المصري اليوم" تقضى ٤٨ ساعة فى العالم السرى لـ«مطاريد سيناء»


نقلاً عن جريدة المصري اليوم

كتب أسامة خالد وصلاح البلك ١٥/ ٥/ ٢٠١٠

تصوير - أحمد هيمن
سالم شيخ المطلوبين يتحدث إلى «المصرى اليوم»
مطاريد جدد، هذه المرة ليسوا فى جبال الصعيد، وإنما فى صحراء سيناء. بدو تعودوا على الصحراء وجربوا مرارة المطاردة والخوف من المجهول. آلاف السيناوية هربوا من أحكام قضائية صدرت بحقهم، بعضهم اعترف بتهمته، وآخرون قالوا إنها ملفقة. خاضت «المصرى اليوم» مغامرة خاصة مع «مطاريد سيناء» وقضت معهم ٤٨ ساعة لترصد كواليس هذا العالم السرى، وتسمع حكايات المطاريد عن أنفسهم وعالمهم وأحلامهم التى تضيع فى الصحراء.

بعد أذان المغرب تحركت بنا سيارة جر رباعى فاخرة، كانت تسير مسرعة وسط رمال سيناء باتجاه أعلى تبة على الحدود المصرية مع إسرائيل جنوب مدينة رفح المصرية بعدة كيلو مترات.

كان ظلام الصحراء دائماً، لا يقطعه سوى ضوء كشافات السيارة التى قادتنا إلى موعد مع المجهول على تلة جنوب رفح. فى السيارة كان السلاح حاضراً فى الكرسى الخلفى، رشاش آلى تحسسته قلقاً فى الظلام فابتسم مرافقى قائلا: «عوادينا بقى.. دى لزوم الصحرا» بادلته ابتسامة لا تخفى قلقى ثم لذت بالصمت والظلام.

بعد ١٥ دقيقة تقريباً من الصعود إلى التلة الوعرة وصلنا أخيراً إلى «الخص» الذى كان هدفنا الأول منذ بداية الرحلة. ٣ سيارات فارهة تقف أمام المنزل المرتجل، وبداخله ٤ من الهاربين من تنفيذ أحكام قضائية صدرت ضدهم بتهم مختلفة. فى سيناء يطلق البدو على من صدرت فى حقهم أحكام وهربوا منها اسم «المتجنيين» باعتبارهم متهمين فى قضايا جنائية.

كان من المفترض أن أقضى ليلة واحدة فى عالم «المتجنيين» أو «مطاريد سيناء»، لكن ما كشفه المطاردون من تفاصيل كان كافياً لأظل معهم يوماً آخر. دخلنا الخص وعينى لا تفارق السيارات الثلاث الفارهة، وفاجأنى مرافقى قائلاً: «السيارات دى مليانة سلاح وفى واحدة منها مدفع مضاد للطائرات.. عشان ما تزعلش من سلاح سيارتى». ابتسمت رغماً عنى ودخلت «الخص» لتبدأ أولى خطواتى مع عالم مطاريد سيناء.

تتراوح أعداد «المتجنيين» فى سيناء ما بين ٥ و٧ آلاف مطارد فى جبال سيناء، وهذا حسب إحصاء غير رسمى يتداوله الأهالى، الذين يؤكدون أن النسبة الأكبر من الهاربين من أحكام القضاء يتركزون فى مناطق رفح والشيخ زويد ووسط سيناء، أما فى الجنوب فينتشر المطاريد الجدد فى مناطق رأس سدر ونويبع وطابا وعلى حدود مدينة الطور. وحسب مصادر سيناوية فإن العدد الأكبر من المطاردين فى شمال سيناء.

يقضى «المتجنيين» مطاريد سيناء لياليهم هائمين فى الصحراء سواء أكانوا داخل خص صغير – كالذى دخلناه – فى منطقة نائية أو أعلى تبة رملية تحميهم وتكشف لهم دوريات الشرطة، فالقاعدة العامة للمطارد أنه لن ينام فى بيته أبداً.

«أصعب شىء ألا تستطيع النوم بأمان.. أن يصبح بيتك مكاناً غير آمن خاصة فى المساء وهو الوقت المفضل لهجمات الشرطة، ليس هناك مطارد يشعر بالأمان سوى فى الصحراء.. ينام المطارد وسلاحه فى حضنه تحسباً لهجمة قادمة أو دورية تقبض عليه».. هكذا لخص الأمر كله أبوأحمد، المحكوم عليه بـ٣٠ سنة سجناً فى جنايتين، يقول إنه لا يعرف عنهما أى شىء «أنا برىء والحكمان ظلم وصدرا غيابياً ولم أعرف أى شىء عنهما حتى فوجئت بمن يريد القبض علىّ»، ويضيف قائلاً: «الشرطة اتهمتنى بالتهريب عبر الحدود وهذا لم يحدث واضطررت أن أخرج مع المتجنيين لأهرب من هجمات الشرطة المتكررة».

تبدأ رحلة مطاريد الجبل فى سيناء مع أذان المغرب حيث يخرج الرجال فى مشهد جماعى كل منهم يحمل غطاءً ثقيلاً إلى حيث يقضون ليلتهم فى الصحراء على تلال عالية تمكنهم من مراقبة الطريق وقنص أى مهاجم. يختار كل منهم مجموعة ليبيت ليلته معهم على أن يقسموا أنفسهم بين النوم ودوريات الحراسة، ومع شروق الشمس تنتهى رحلة المبيت للمطاريد ويعود كل منهم إلى بيته بهدوء.

«نحن لا نخاف سوى من الليل فقط أما فى النهار لا توجد أى مشكلة عندنا نعود إلى منازلنا دون أى خوف، فالشرطة لا تهاجمنا فى النهار أبداً، حيث تحرس قرانا دوريات من أبناء القبائل وتحذرنا عند أى هجوم».. هكذا شرح سالم، أحد المطاردين الموجودين فى الخص، حكايات الليل مع الهاربين من تنفيذ الأحكام. سالم شاب يبلغ من العمر حوالى ٣٠ عاماً كان يضحك وهو يقول إنه حكم عليه منذ أسبوع واحد فقط بـ٢٥ عاماً فى قضية تهريب.

لاحظ سالم اندهاشى فشرح الموقف «أيوه هرَّبت لكن ماذا هربت؟ هذا هو السؤال، لم أهرب مخدرات ولا ممنوعات لقد هربت أكلاً وملابس وبعض الأجهزة الكهربائية لإخواننا فى غزة وأنا لا أرى أن هناك أى مشكلة أن أهرب أكلاً لأبناء عمومتى وإخوتى فى غزة لأنقذهم من الموت» أمَّن المطاردون الموجودون فى الخص على كلام سالم الذى تابع: «المشكلة أنكم فى القاهرة تعتبرون مساندة الفلسطينيين كارثة ونحن نعتبرها عملاً قومياً.. أنتم تعتبرون التهريب جريمة ونحن لا نراه كذلك».

لم تكن المشكلة فى «أكياس الطحين» لكن تسرب الأسلحة عبر الحدود بدا محوراً جديداً فى الحديث. أبوحامد، أحد المطاريد قال: «وماذا فى ذلك، نعم نهرب لهم السلاح هذا جهاد نحن نعتبر أن ما نقوم به جهاد» صمت أبوحماد قليلا ثم قال بانفعال: «أمال يدافعوا عن نفسهم إزاى عايزينهم يحاربوا بالطوب لازم يكون فيه سلاح معاهم وإحنا بنساعدهم».

احتدم النقاش داخل خص المطاريد وبدا أن ليلة عاصفة كهذه لن تمر بسهولة حتى بدأ المطارد الرابع الذى سمى نفسه «أبومحمد» فى الحديث: «نعم هناك مجرمون وهناك بلطجية فى سيناء لكنهم قلة وهنا أيضاً مظاليم يمثلون الأغلبية.. المشكلة أنكم فى القاهرة لا تعرفون ما يحدث لنا هنا فى سيناء نحن نعانى من الظلم والاضطهاد والضباط الذين يقتلون البدوى لمجرد أنه بدوى، هنا القتل بالهوية هنا إهانة الكرامة لمجرد أنك من البدو، هل تعرف كم نسبة الشباب المحكوم عليهم فى سيناء؟ هناك آلاف الهاربين بأنفسهم فى الصحراء و٤٠% منهم فقط هم المحكوم عليهم والباقى هارب خوفاً من إلقاء الشرطة القبض عليه وتلفيق قضية ضده لمجرد أنه بدوى».

أيد جميع الموجودين فى «خص المطاريد» حديث أبومحمد، وحين هدأت «ثورة التأييد» أضاف أبوأحمد قائلا: «تخيل هناك أطفال أعمارهم لا تتجاوز الأربعة عشر عاماً هاربون ويبيتون معنا فى الصحراء تفتكر طفل عنده ١٤سنة ماذا سيفعل ليخيف الشرطة لماذا يهرب دون أى ذنب؟..

من أكلمك عنهم لم تصدر ضدهم أحكام ولم يتهموا بأى شىء لكن ممكن يكون لبعضهم أخ أو أب مشتبه به فيضطر للهرب، هو وأخوه وعمه وكل رجال عائلته خوفاً من تنكيل الشرطة بهم ويعيشون هكذا مطاردين فى الصحراء، تخيل أن هناك قرى بدوية بالكامل تقضى الليل بلا رجل واحد لأن الجميع هرب من بطش الشرطة إلى أمان الصحراء، هربنا بدلاً من أن نتعرض لتلفيق التهم وبدلاً من أن تتعرض نساؤنا للسباب والضرب، هربنا من اقتحامات تحطم الأبواب والأثاث وإهانة كرامة الرجل أمام أهله بدعوى البحث عن مشتبه به هارب».

تابع أبوأحمد: «البدوى قد يقتل إذا أهين، وغالباً ما سيفعلها إذا أهان أحدهم زوجته أو أخته أو أمه، فالمرأة هنا كائن مقدس والضباط لا يفهمون ذلك، وبعضهم يمسك المرأة البدوية من شعرها ويسبها وفى العرف البدوى هذه جريمة بشعة عقوبتها الموت». تناقشنا حول اتهاماتهم للشرطة باستخدام العنف والقسوة ضد البدو، بعضهم بدا متفهما مثل أبومحمد والبعض الآخر كان يتحدث بنبرة تجمع التحدى مع التهديد. وحذروا من مواجهات قادمة بينهم وبين الشرطة «نحن نملك المال والسلاح مثلهم.. ربما ما معهم أفضل لكننا لن نهاجم شرطياً أبداً ولن نبدأ بالضرب، لكننا سندافع عن أنفسنا فقط ولن نسمح لأحد بأن يعتقلنا. نظر الجميع إلى سالم وقال أبومحمد: «سالم هذا دخل المعتقل بتهمة دعم الفلسطينيين وما حكاه لنا جعلنا نفضل الموت على أن نذهب إلى هناك».

التقطت سالم الحديث ليحكى حكايته: «ما يحدث فى السجن يجعلك تتمنى الموت.. نحن بدو تعودنا على الصحراء لا نقبل ولا نتحمل السجن وصعوبته وعاداتنا غير عادات أبناء الوادى والدلتا لذلك الموت بالنسبة لى هنا فى الصحراء أهون ١٠٠ مرة من الحبس ليوم واحد مرة أخرى وسأحمل السلاح فى وجه كل من يحاول أن يأخذنى للسجن حيث الإهانات هناك بلا داع ولا سبب».

سألتهم: «ما تحكونه يصوركم أبطالاً وملائكة وكأنه لا مجرمين فى سيناء! هل هذا منطقى؟». رد أبومحمد: «نعم هناك مجرمون لكنهم ليسوا بيننا فأى شخص يرتكب جريمة نطرده فوراً، لكن لأكون صادقاً لا بد أن أعترف بأن هناك بالفعل مجرمين وهؤلاء لا ندافع عنهم أبداً بل على العكس لا نريدهم ونرحب بالقبض عليهم وإذا كنت تريد الحقيقة فهؤلاء نسبتهم قليلة جداً، وأى بدوى ارتكب جريمة نحن مستعدون أن نسلمه للشرطة بشرط أن يكون ارتكبها بالفعل ولم تلفق له».

سألته عن قطاع الطرق فى وسط سيناء الذين بدأوا ينتشرون ويهددون الناس بسلاحهم؟ فأجاب: «نحن نعانى منهم أيضاً فهم يهاجمون بضائعنا مثلكم ولا نرضى بوجودهم وأعدادهم لا تتجاوز ٣٠ فرداً هم من يثيرون كل تلك المشاكل وإذا ألقينا القبض عليهم سنسلمهم فوراً فنحن لا نحمى مجرمين، نريد فقط الحماية من بطش الشرطة».

كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل وبدأ التعب يحل على البدو المرهقين من يوم شاق فبدأوا فى الاستعداد للنوم وتنظيم «دورية الحراسة». وما إن بدأ فجر اليوم التالى حتى كان الحماس يدب فى المطاردين، لملم الجميع أغراضهم وركب كل منهم سيارته متجها إلى منزله ليقضى النهار مع أسرته وسط حماية دوريات من القبائل تدور حول القرى البدوية بمتوسيكلات خوفاً من هجمات الشرطة.

فى اليوم التالى وعند غروب شمس كان كل منهم يعرف طريقه إلى حيث ينام فى الصحراء كانت الليلة الثانية لى فى مكان آخر ومع مطاردين آخرين كان الخص هذه المرة أكبر وبه كهرباء وتليفزيون ودش. وكان خمسة من الشباب يستعدون لتناول العشاء المكون من الكباب والكفتة.

٥ شباب من البدو لا يتجاوز عمر أكبرهم ٣٠ عاماً كانوا أكثر غضباً من «مطاريد» ليلة أمس. خالد ( ٢٩ عاما) وأحد المطاردين بدأ الحديث قائلا: «ماذا نفعل ونحن هنا فى صحراء جرداء لا زرع عندنا، ولا مصانع ولا تجارة ولا أى شىء أمامنا غير التهريب»، خالد الشاب الأسمر ينتمى لإحدى قبائل وسط سيناء بدا ثائراً من الوضع: «هل يتصور أحد أننا راضون عن حالنا بالنوم فى برد الصحراء وقسوتها؟ لكن نعمل إيه مافيش حل تانى غير التهريب».

خالد لا ينكر أنه من المهربين وليست لديه مشكلة مع نوع البضاعة المنقولة عبر الحدود: «نهرب كل شىء وأى شىء إحنا بنموت من الجوع تفتكر هانسأل بنهرب إيه تفتكر واحد بيموت من الجوع ممكن تسأله بيهرب إيه أنتم إذا عشتم معنا فى وسط سيناء سوف تهربون أيضاً وستزرعون المخدرات وتتاجرون فيها لا تتركونا نموت ثم تلومنا أننا نهرب».

كان المهرب الأسمر مصراً على ما يراه صحيحاً، وحين تناقشنا حول أن عدم وجود خدمات للدولة ليس مبرراً للتهريب رد غاضباً: «لأ مبرر ومبرر قوى أيضاً.. فعندما تجد نفسك فى صحراء بلا ماء ولا أكل ولا عمل ولا أى مورد رزق وليس أمامك سوى التهريب فماذا سوف تفعل؟ قال لماذا لا تصل إلينا ترعة السلام لنزرع إذا أوصلتم لنا الماء لن نهرب ولن نخالف القانون أراضينا صالحة للزراعة لكنها لا تجد المياه ونحن لا نجد الرزق».

تركت خالد الغاضب وتوجهت إلى أبوسالم.. كان شاباً يجلس ومعه ابنه ليحكى حكايه أخرى: «أنا متجنى بلا أى ذنب فلم أرتكب جريمة ولم أهرب شيئاً لكن المشكلة أن لى أخاً مطلوباً للشرطة وإذا بقيت فى منزلى سيأتون ويأخذونى مكانه ورغم أنهم يعرفون أنى لست طرفاً فى أى جريمة لكنهم سيأخذونى وربما يعتقلونى أو يلفقون لى تهمة، لذلك خرجت إلى الصحراء خوفاً وهرباً من هجمات الشرطة». بين الجالسين كان محمد الأكثر هدوءاً، شاب يبدو غير منصت للحديث وهو يصب أكواب الشاى السيناوى بالمرمرية.

بعد «استكشاف» القادم الجديد إلى عالم المطاريد بدأ محمد يحكى: «أنا هنا خوفاً من الشرطة بعد أن صدرت ضدى أحكام بالسجن ومستعد أموت ولا أدخل المعتقل». محمد يعترف بأنه مهرب ولا يرى ذلك جريمة: «نعم أهرب البضائع إلى غزة وهذا ليس عيباً صحيح أنا اضطررت إلى اللجوء للتهريب بدلاً من دخول السجن، فقد كنت أملك أراضى زراعية كبيرة ولكن الزراعة خسرت عاماً بعد عام،

وكنت مديناً للبنك بحوالى نصف مليون جنيه، ولم أجد سوى التهريب والأنفاق وحققت مكاسب جيدة وسددت ديونى واشتريت أرضاً أخرى من التهريب، الذى لا أراه عيباً لأنه لا يضر أى شخص فى مصر، بالعكس نحن فى مصر المستفيدون هل تعلم أن هناك مصانع كاملة فى العاشر من رمضان وغيرها لا تعمل الآن إلا لصالح غزة،

وحجم البضائع التى تمر يومياً يخلق حالة من الانتعاش التجارى فى مصر كلها، ونحن لا نهرب أى ممنوعات، نهرب بضائع مثل تلك التى تباع فى السوق المصرية تعال إلى مخازنى ستجد ثلاجات وشنطاً وأحذية لن تجد أى ممنوعات مطلقاً نحن نقول إنها تجارة مع الجانب الفلسطينى وأنتم تقولون إنه تهريب وهذا خطأ أن نعلم أولادنا أن مساعدة الإخوة المحاصرين جريمة».

محمد يربى أولاده بنظرية تتجاوز حدود الوطن: «نربيهم على أن أهل فلسطين إخوتنا.. نربى أولادنا على نصرة المظلوم والآن أهل غزة هم المظلومون ونحن نساعدهم دون تردد».

بدا محمد مستعداً للعودة إلى قريته وأسرته إذا وفرت له الدولة عملاً فى أحد مصانعها: «طبعاً مستعد أن أترك كل شىء وأعمل فى مصنع يهيئ لى حياة نظيفة، رغم أنى أكسب من ١٠ إلى ١٢ ألف جنيه فى الشهر من التهريب.. لكن مستعد أشتغل فى أى مصنع وأقبض ١٠٠٠ جنيه ثابتة كل شهر وأسيب التهريب» أمن الشباب من حول محمد على قوله،

وقال أحدهم: «أنا مستعد أعيش بـ٦٠٠ بس نخرج من هنا ونقدر نلف مصر كلها تصور أننا محرومون من السفر إلى القاهرة خوفاً من القبض علينا». قبل منتصف الليل بقليل تركت الشباب الحالمين بمهنة أخرى غير التهريب وذهبت إلى شيخ المطلوبين فى صحراء سيناء وأكثرهم أهمية وقيمة لدى أجهزة الأمن والأجهزة الحكومية على حد سواء.

كانت المفاوضات مع الشيخ «سالم العنيزان» شاقة للغاية رفض شيخ المطلوبين والمحكوم عليه بـ٨٦ سنة فى خمس قضايا بين اتجار فى المخدرات ومقاومة سلطات أن يتحدث معنا فى البداية، لكنه وبعد مجهود كبير وافق على الكلام.

سالم واحد من كبار عائلة العنيزان بمدينة نويبع ولا يسير إلا ومعه حراسة ومرافقون يأمنون تحركاته وبدأت أزماته مع الشرطة كما يحكى منذ عام ١٩٩٢ عندما قبض عليه وترك لمدة أسبوع بلا أكل فى الحبس ويقول شيخ المطلوبين: «أهنت إهانات بالغة وقتها لم أكن قد فعلت أى شىء، بعد أسبوع جاء لى رائد اسمه حلمى وطلب أن أعمل معه مرشداً وأقدم له أى شخص على أنه تاجر مخدرات، وقتها قالوا لى سنساعدك ونعطيك كل شىء تريده، لكننى رفض وخرجت لأفاجأ بعد ذلك بحملات وهجمات على منزلى،

وفى رمضان عام ٩٤ هجموا مرة ثانية على منزلى وكسروا كل ما فيه وأخذونى ١٤ يوماً، ٤ أيام منها فى مكتب مكافحة المخدرات بنويبع والباقى فى السويس تخيل نقلونى فى عربة قذرة مكبل فى شباكها بلا مياه ورفضوا حتى أن يسقونى، عاملونى بقسوة بالغة كانت نفس المطالب أن أعمل مرشداً وأسلم أى شخص أو يلفقوا لى قضايا ويعتبرونى تاجر مخدرات، حتى فوجئت بهم بعد أن خرجت ينشرون خبراً فى احدى الصحف القومية يقولون فيه إنهم ضبطوا اثنين من تجار المخدرات أحدهما كان أبى وكان عمره وقتها ٩٠ عاماً وكان ضريراً وقعيداً وكتبوا فى نفس الخبر إنهم قبضوا علىّ متلبساً ومعى مخدرات.. تخيل أنا لم أكن موجوداً ولم يقبضوا علىّ كان كل ما كتب كذباً».

لم يطلق سالم على نفسه لقب شيخ المطلوبين، فهو لم يعد مهتماً بما صدر ضده من أحكام: «آخر مرة عرفت أن علىّ ٨٦ سنة سجناً فى ٥ قضايا ٣ منها مخدرات وأخذت عن كل واحدة منها ٢٥ سنة وقضية أخرى أخذت فيها سبع سنوات وأخرى سنة واحدة والأخيرتان بسبب مقاومة السلطات لأن الشرطة حين جاءت إلى منزلنا كالعادة وكسرت كل شىء وضربت النساء أطلقت عليهم الرصاص ليبتعدوا عن (الحريم) وبعدها حاولت الشرطة مهاجمتى فى منزلى ٥ مرات لكنهم فى كل مرة يلاقون مقاومة رغم أننا لا نريد ذلك فعلا لكنهم مصرون على الظلم وما رأيته فى أيام حجزى يجعلنى أقاومهم حتى الموت».

للشيخ سلام علاقات واسعة بين القبائل، ورغم مشاكله الأمنية فإن السلطات غالباً ما تستعين به لحل المشكلات الكبيرة: «أنا مشاكلى مع مكتب المخدرات لكن باقى أجهزة الشرطة علاقتى معهم جيدة جداً وكثيراً ما أساعدهم فى مشاكلهم ولى صداقات مع كثير من قيادات الداخلية فى جنوب سيناء بل وفى الوزارة نفسها».

من جهته، اعتبر اللواء منير شاش، محافظ شمال سيناء الأسبق، مستشار رئيس الوزراء لشؤون سيناء السابق، أن أوضاع «المتجنيين» فى سيناء نتجت عن عدة سياسات خاطئة، خاصة فيما يتعلق بطرق اختيار مشايخ القبائل، وأكد شاش أن القبيلة السيناوية تحكمها قوانين صارمة للغاية ومن الصعب وجود أى مجرم بينهم ولا يتم «تشميسه» - أى استحلال دمه وطرده من القبيلة - واعتبر شاش أنه لا يمكن أن يقال عن كل مطاريد الجبل فى سيناء مظاليم، لكن أكيد بينهم مجرمون، وأضاف: «هم ليسوا مظلومين لكنهم مجرمون».

من جهة أخرى، اعتبر اللواء عبدالفضيل شوشة، محافظ جنوب سيناء الحالى، محافظ شمال سيناء السابق، أنه لا يمكن التعامل مع رقم ٥ آلاف «متجنى» على أنه أمر مسلم به،

وقال: «أعتقد أن أرقامهم أقل من ذلك بكثير»، وحذر محافظ جنوب سيناء من تلك الظاهرة، واعتبرها ظاهرة مقلقة بدرجة كبيرة، خاصة أنه من الصعب التعامل مع متهم يشعر بأنه برىء، وأضاف أن الدولة سبق أن تعاملت مع تلك الظاهرة من قبل فى عدة مراحل، ولكن يجب تصفيتها تماماً،

وقال شوشة: «لا يمكننى أن أقول إنه لا يمكننى التعميم والقول إنهم جناة على الإطلاق أو مظاليم على الإطلاق، فجزء منهم مظلوم بالفعل، خاصة هؤلاء المحكوم، عليهم غيابياً فى قضايا المخدرات، فبعضهم تعرض لوشايات، والمشكلة أنهم لم يدافعوا عن أنفسهم»،

وأضاف شوشة: «لكن بعيداً عن بعض قضايا المخدرات، لا يمكننا إطلاقاً أن نتعامل مع باقى المتهمين على أنهم مظلومون»، وأكد شوشة أن الدولة تتعامل مع هذه الظاهرة بحكمة، مشيراً إلى أنه سبق أن حدث تعاون كبير معهم عقب أحداث الإرهاب فى شرم الشيخ وأعيد النظر فى قضايا بعضهم ومنهم من حصل على البراءة بالفعل، وخرج من دائرة الاتهام

No comments: