Published on صحيفة أوان (
http://www.awan.com/)
التعليم الخاص .. هل يكرّس حالة من الطبقية؟
أسامة أبوالخير
يرى البعض أن الجامعات الخاصة في الكويت ومنطقة الخليج جامعات بلا تاريخ يمنحها الشرعية اللازمة. فشرعيتها الوحيدة تأتي من الحاجة إلى خدمات تعليمية عالية تؤهل الشباب للعمل في أسواق التجارة والإنتاج الصناعي، والبعض الآخر يرى أنها نوع من الترف في التعليم الجامعي وتكرس الطبقية، بين الميسورين وبين المتواضعين ماديا، وزارة التربية في الآونة الآخيرة، حذرت عددا من المؤسسات التعليمية الخاصة من التمادي في عملية فرض الرسوم، دون إذن مسبق منها، المدارس والجامعات الخاصة، أصبحت ظاهرة اجتماعية، فهل يؤثر ذلك على ثقافة المجتمع الكويتي ويخلق حالة من الطبقية بين الأجيال المقبلة كما يردد البعض.
أصحاب المدارس الخاصة لم تكن تعجبهم المطالبات المستمرة لأولياء الأمور، الداعين دائما إلى خفض رسوم المدارس الخاصة، لاسيما مع تدني المستوى التعليمي في المدارس الحكومية، هذه النبرة كانت محل انتقاد من صاحب مدرسة الكويت الإنجليزية محمد السداح، الذي طالب في تصريحات صحافية سابقة، بإطلاق حرية الأقساط في المدارس الخاصة، وأوضح أن الرسوم المطبقة حاليا في المدارس الخاصة بالكويت تعتبر الأقل مقارنة بما هو مطبق بدول مجلس التعاون الخليجي.
ويؤيد السداح الرأي القائل إن على وزارة التربية، أن ترفع يدها عن الأقساط المدرسية، فلا تتدخل بالشؤون المالية للمدارس الخاصة، ويتمنى أن تحذو وزارة التربية حذو التعليم العالي حيت تصدر تراخيص لجامعات خاصة، لكنها لا تتدخل بشؤونها المالية، إذ لم ينص قانون إنشاء هذه الجامعات على تحديد رسومها. ويضيف أن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تقوم بإصدار التراخيص للمعاهد الثقافية ومعاهد التدريب، من دون أن يكون هناك نظام أو قرار يجيز لهذه الهيئة التدخل بالشؤون المالية لهذه المعاهد أو تحديد رسومها.
من هذا المنطلق يرى السداح أنه يجب على وزارة التربية ألا تفرض رسوما على المدارس الخاصة، بل يجب أن تطلق حرية الأقساط المدرسية في هذه المدارس.
اتسمت لهجة صاحب مدرسة الكويت الإنجليزية بالتهديد حين قال: «إذا لم يصدر قرار بشأن زيادة الرسوم فسنلجأ إلى إقفال أبواب هذه المدارس». هنا انتهى كلام محمد السداح.
ليس سرا أن للجامعات الخاصة قبولا كبيرا في الكويت حيث تلقت وزيرة التربية نورية الصبيح، نحو (32) طلبا تقدم بها أصحاب جامعات ومعاهد خاصة يسعون من خلال الوزارة إلى فتح أفرع لهم داخل الكويت.
الاعتراض والاستنكار
وزيرة التربية لم ترفض الطلبات جملة لكنها درستها ثم انتقت منها (17) طلبا، وردت البقية فكان الاعتراض والاستنكار، وعلت الأصوات على صفحات الجرائد، لماذا الرفض؟ وقتها أجابت وزيرة التربية نورية الصبيح عن سؤال للنائب فيصل الشايع حول هذا الشأن، حين أفادت بأن الطلبات التي تم رفضها لم تكن مستوفية لشروط الترخيص، كما لم تكن تتناسب وخطة مجلس الجامعات الخاصة التي تتفق واحتياجات ومتطلبات العمل في السوق الكويتي.
صراع محتدم
هنا يثبت لدينا الصراع المحتدم حول المطالبة بإنشاء مزيد من المدارس والجامعات الخاصة، على صراخ واحتجاجات الطالب في جامعة الكويت ماجد الخالدي، حين ينقل لـ«أوان» الصورة كاملة من خلال احتكاكه مع زملائه في الجامعات الخاصة في الكويت، فيقول: «لقد أوجد هذا النوع من الجامعات في الكويت حالة من الطبقية المفعمة بالتعالي والكبرياء»، ويرى الخالدي أن «هذه الطبقية دخيلة على مجتمعنا المترابط على مدى تاريخه»،
ويشعر الخالدي بالأسى مما يلاقيه حال الشباب والفتيات الكويتيين من الفوارق الاجتماعية التي كما يقول فصلت الشباب فكريا، وذهنيا عن الجيل الذي سبقه، حال الخالدي تعكس وضع الشباب وما وصل إليه من تغيير وخروج عن النطاق العام للعادات والتقاليد العربية. لكنه لا يتوقف ويواصل حديثه ليعلن غضبه على الوضع الراهن للتعليم الخاص في الكويت.
أما فاطمة حيان من الجامعة الأميركية فلكونها طالبة في إحدى الجامعات الخاصة ترى أن التعليم الخاص في الكويت أحدث نقلة نوعية على المستوى التعليمي، ومخرجات السوق، وتثني حيان الطالبة الرافضة البتة للتعليم الحكومي، الذي ترى فيه أنه سبب رئيسي ومباشر في تخلف الجيلين الأخيرين، بعد إصابة المؤسسات التعليمية الحكومية بالتدهور.
ولم تجد هذا الوضع من الطبقية في التعليم الخاص، الذي يتحدث عنه بعض الشباب من الدارسين في الجامعات الحكومية، فهي تقول إن البرامج المتنوعة ونظام التعليم الخاص مختلف تماما عن الحال في الجامعات الحكومية، وتضيف أن النظام الأكاديمي الجديد يولد تجديدا في نفوس الشباب والفتيات إلى جانب أنه يكشف عما لديهم من مهارات.
في استطرادها تضع حيان، يدها على الجرح لتؤكد «أنه ليس الفارق الطبقي، وإنما هو تميز التعليم الحكومي عن الخاص».
مستوى الجامعات
الاستاذ والباحث الأكاديمي محمد جواد رضا يفاجئنا برأيه في مستوى الجامعات، والمعاهد الخاصة في الكويت، ومنطقة الخليج بشكل عام، ويذكر في ورقة عمل كان قد تقدم بها في حلقة نقاشية نظمت في الكويت حول «الجامعات الخاصة في دول الخليج العربي وتقلص المسؤولية الوطنية عن التعليم الجامعي، إن جامعات الخليج الخاصة لا تتوافر فيها شروط الجامعة ولن يتوفر لها ذلك مستقبلا!، فلماذا لا تختار هذه الجامعات أن تكون معاهد تطبيقية عالية مكرسة للتعليم العالي الممتاز؟
ويؤكد الدكتور رضا أن الجامعات الخاصة في الخليج تخطئ حينما توهم نفسها والآخرين بأنها مثل الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية كهارفارد وبيل وستانفورد وغيرها هي جامعات خاصة وتتقاضى أجورا من طلبتها.
كثيرون لا يعرفون أن الجامعات الخاصة الأميركية تحمل عن الدارس فيها نصيبا كبيرا من كلفة تعليمه وتدريبه، هكذا يؤكد رضا أن أحد المصادر المالية الكبرى المضمونة للجامعات الخاصة في الولايات المتحدة يتمثل في (الوقفيات) التي تتراكم فيها بالملايين ثم يصرف ريعها على تطوير الجامعة وتعظيم ازدهارها.
المدارس الخاصة في الكويت تنقسم إلى قسمين، المدارس العربية والهندية والباكستانية من جهة، والانجليزية والأميركية من جهة أخرى. ولكن هل زيادة الرسوم ستضفي على العملية التربوية عنصر الجودة، لتطوير المنظومة التعليمية؟ فهذه مسألة هامة للارتقاء بقدرات الطالب، خاصة أن هناك تقصيرا في مخرجات بعض المدارس الخاصة والعربية تحديدا، ويقول إنه.. لاسيما في المدارس الخاصة تتوافر بعض الخدمات التعليمية المتميزة، كالأجهزة الحديثة المتوافرة في مختبراتها.
إذن ما يتم طرحه من أن التعليم الخاص يوجد حالة من الطبقية قد يكون أمرا ليس واقعيا كما يؤكد ذلك عدد من اختصاصيي علم النفس والاجتماع في حديثهم لـ«أوان»:
أستاذة علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتورة نضال الموسوي ترى أن ثمة أسبابا حقيقة وراء لجوء الكويتيين وغيرهم إلى الجامعات الخاصة، من بينها شعورهم أن هناك ضعفا في التعليم الحكومي على الرغم من المحاولات الحكومية للنهوض بهذا التعليم.
طرق التدريس
وتبين أن هناك عددا من المناهج وطرق التدريس لاتزال قديمة ولم تجد طريقها في مواكبة التطور الحاصل في التعليم، وخاصة في جانب مهم وهو اللغة الإنجليزية، مبينة أن اللغة الإنجليزية باتت لغة عالمية، وأن سوق العمل الآن من شركات ومؤسسات وحتى بعض الجهات الحكومية المهمة تشترط هذه اللغة. كما أن تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية ليس بالمستوى المطلوب مقارنة بالجامعات الخاصة، ولاسيما الأجنبية منها.
وفي شأن تباهي بعض فئات المجتمع كون أبنائهم يتلقون تعليما في المدارس الخاصة، تقول إن هناك نسبة قليلة ممن يتباهون بذلك بقصد التظاهر أو التفاخر أو التقليد، ولكن غالبية الأسر التي تضع أبناءها في المدارس الخاصة مدفوعة برغبة في أن يتلقى أبناؤها التحصيل المناسب الذي يؤهلهم لإكمال دراستهم العليا.
كل هذه الاسباب التي تطرحها الموسوي هي تمهيد لهدف أكبر في أن يظفر الدارس بفرص وظيفية جيدة في المستقبل ومن بين أمثلة من يسعون إلى ذلك أساتذة الجامعات والطبقة المتعلمة والحريصة على العلم لها ولأبنائها. وتقول إن الأسر التي تصر على أن يكمل أبناؤها التعليم الجامعي وما بعده، تحرص على أن يتعلم أبناؤها في المدارس الأجنبية حتى يتسنى لهم دخول الجامعات أو الكليات المتقدمة، أو السفر إلى الخارج لإكمال الدراسة الجامعية أو الدراسة العليا.
وتزيد قائلة إن هناك نسبة كبيرة من الأسر تحرص على أن تدخل أبناءها في التعليم الخاص، لكي تبني لديهم منذ الصغر الأساس الجيد في اللغة الإنجليزية، وفي التعامل مع الحاسوب على حد سواء، باعتبارهما من مفاتيح العلم في العصر الحديث.
وعن أوجه القصور في التعليم الحكومي تقول إن هناك أوجه قصور عدة سواء في المناهج العلمية أو في تعليم الكمبيوتر أو في تعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
وتشير إلى أن الأسر ذات الدخل المتوسط وحتى الأقل يحرصون على إلحاق أبنائهم بقاطرة التعليم الخاص والمدارس الأجنبية على اعتبار أن المدارس الأجنبية مستقبلها أفضل علميا ومهنيا.
البرامج الأكاديمية
تشير دراسة إلى أنه في خمسينيات القرن الماضي شهد التعليم العالي توسعا لم يسبق له مثيل، من حيث عدد الجامعات والبرامج الأكاديمية وإعداد الطلبة، فقد شهدت الفترة ما بين الأعوام 1951 و 1970 إنشاء (23) جامعة، كما أنشئت( 33) جامعة أخرى في عقد السبعينيات إلا أن الطفرة في إنشاء الجامعات شهدها عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث تم إنشاء أكثر من (142) جامعة معظمها جامعات خاصة.
وفي فورة الاندفاع نحو التعليم الجامعي تناسى الناس التفكير في نوعية الخريجين ومستويات كفايتهم التحصيلية وصارت المباهاة بالأعداد، وحجم الدرجات هي زينة تلك الحقبة وأغفلت تماما معايير الجودة في التعليم الجامعي مثل حجم الفصول الدراسية ونسبة الطلبة إلى أعضاء هيئة التدريس.
الطالب الواحد
وفي التعليم الجامعي الحكومي بات الإنفاق على الطالب الواحد في انخفاض مستمر، وبلا شك انعكس ذلك على نوعية الخدمات التي تقدمها الجامعة للطالب، وكذلك على مستوى التحصيل والخريجين، وأمام هذه الضغوط وقع ما كان ينبغي أن يقع، تصدى المقتدرون من الناس للوضع الإشكالي في الجامعات الحكومية وأقدموا على إنشاء (جامعات خاصة) وكان ذلك أمرا طبيعيا ولم يكن هناك اعتراض على أن يتصدى مواطنون لحمل بعض مسؤوليات التعليم العالي عن الدولة،
وفي العام 1997 ذكر تقرير (لجنة العضوية في اتحاد الجامعات العربية ومقره الأردن، أن بعض الجامعات الخاصة والمرخصة بمراسيم وقرارات حكومية لا تصلح أن تكون مدارس ابتدائية من حيث المرافق والتجهيزات والمستوى العلمي).
تعليم خمس نجوم
وقبل نحو أربعة أعوام نشرت مجلة روز اليوسف تقريرا مفصلا عن التعليم الخاص في مصر وعنونته بـ«تعليم خمس نجوم» ورد فيه أنه «هناك عائلات مصرية مقتدرة ماليا بدأت تعزل أبناءها وبناتها عن مدارس الحكومة وجامعاتها وكان تعليم الخمس نجوم موسوما بنزعة طبقية واضحة، لقد بلغ من حرص المؤسسين لتعليم الخمس نجوم أنهم يشترطون للقبول في هذا التعليم أن الأجور الدراسية لا تدفع بالجنيه المصري، وإنما يجب دفعها بالعملة الصعبة، الدولار الأميركي أو اليورو الأوروبي أو الجنيه الإنجليزي. بهذا الابتكار الإجرائي وأمثاله تكرس التعليم الجامعي الخاص طبقيا، وبهذا كان يؤشر على جملة أمور جديرة بالتأمل، التي منها طبيعة الطبقية بمعنى أن هذا التعليم لا يناله إلا المقتدرون ماليا وليس في هذه الطبقية الجديدة ما يعين على انتشار الديمقراطية. ومن الامور التي يراها التقرير هو تراجع دور الحكومات العربية عن كفالة العدالة الاجتماعية للشباب في تعليم جامعي راق يؤهلهم للمساهمة الفعالة في تعظيم إنتاج الثروة الوطنية العامة والارتقاء بأنفسهم نحو مراكز اجتماعية أكثر رخاء.
واخيرا يحذر تقرير مجلة «روز اليوسف» من خطورة زحف العولمة والخصخصة على التعليم الجامعي وسياسة القبول فيه، ومستويات الجودة في منتجاته وترى ان هذا فيه سلب لرسالة التعليم الوطنية.
زحف العولمة
ويرى التقرير أن ذلك من زحف العولمة والخصخصة على التعليم الجامعي، وهي تجربة تشترك فيها البلدان العربية وغير العربية، وهي تقرع الآن أكثر من ناقوس خطر حتى في البلدان الصناعية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية ولكن الفارق بيننا وبين الآخرين، هو أن الآخرين يستبقون عواقب التحولات الكبرى لتلافي أخطارها أو التخفيف منها.
وعن الأخطار الكبرى لخصخصة التعليم تحديدا في المنطقة العربية، تؤكد دراسة أكاديمية أن ذلك سيتسبب في ارتفاع الأجور الدراسية الناجمة عن تناقص الدعم المالي الحكومي للجامعات الحكومية، وإن أبناء العوائل الفقيرة أو محدودة الدخل سوف تتضاءل فرصهم للانتفاع بالتعليم الجامعي.
كما أن خصخصة التعليم العالي تحمل معها خطرا آخر، هو خطر (تسليع المنهج الجامعي) بمعنى أن المنهج الدراسي الجامعي يعامل كما لو كان (سلعة) من السلع المعروضة للبيع في الأسواق،
وأخير تشير الدراسة إلى أن استمرار الخصخصة سوف يوسع الهوة بين الميسورين والمحرومين، وفي الوقت الذي ستزيد فيه الفرص أمام أبناء العوائل الميسورة، فإنها ستضيق بنفس السرعة والمدى أمام أبناء الأسر الأقل حظا.
غالبية الأسر
يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الغانم، أن الأمر مختلف للطلبة بالنسبة للتعليم الجامعي عنه في المراحل السابقة، ويضيف أن معدلاتهم لم تؤهلهم لدخول جامعة الكويت لذلك اضطروا للدخول إلى جامعات خاصة. ويردف قائلا إن الأمر مختلف بالنسبة للمراحل الدراسية قبل الجامعية، فنجد أن ثمة أسبابا أخرى لاختيار الأسر المدارس الخاصة عن المدارس الحكومية، منها عدم وثوق الكثير من الأسر في مستوى التدريس الذي تقدمه المدارس الحكومية باعتبار أنه أصبح أقل مستوى مما كان عليه في السابق.
بدايات التعليم الخاص في الكويت
نزحت أعداد كبيرة من المواطنين العرب إلى دولة الكويت نتيجة للظروف التي مرت بها المنطقة العربية، كما قدم للبلاد أعداد كبيرة من جنسيات أجنبية مختلفة للعمل في مختلف المجالات في سنة 1967م فظهرت المدارس الخاصة ولاسيما أجنبية المنهج منها بنمو مطرد بفضل وعي واهتمام أبناء البلاد في المساهمة بتوفير الرعاية التربوية، وقد بلغ عدد المدارس الخاصة عام 1970/1971 (63) مدرسة عربية وأجنبية ووصلت أعداد الطلاب والطالبات في ذلك العام (28266) واستمرت الزيادة في كل من أعداد المدارس ومناهجها الدراسية، وأعداد الطلبة والطالبات فيها منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
::: للإتصال بنا ::: شركة حوار للإعلام 2008 ©2008 Hiwar Media Co.
Source URL:
http://www.awan.com/node/47236